عندما يتحوّل الجَشع رديفًا للعدوان..!
خاص “المدارنت”..
سُدىً، ذهبت كل مُناشدات القاصي والداني، لمن يتحكّمون بالغذاء والضروريات المعيشية اليومية الماسّة للّبنانيين، كي لا يستغلوا الأوضاع الأمنية الطارئة، فيرفعون الأسعار ويتمادَون في الجَشع، لدرجة صار من الصعوبة عليهم الشعور بالشبع، في ظلِّ تغاضي السلطة الممثلة بوزارة الاقتصاد، والأجهزة الأمنية عنهم، سيَّما، وأن وزارة الاقتصاد تعلن يومًا بعد يومٍ أن المُسْتودعات تكفي لأربعة شهور على الأقل، حتى في حال توقف مطار بيروت والمرافئ البحرية عن العمل…
يجاري تجَّار الأزمات في جشعهم، ما صار يُعرَفُ بتجَّار الإسفنج والفِرَش والمخدات، التي تُصَنع منها، لدرجة أن السِلعة الواحدة التي كانت تضمّ فرشةً ومخدة بأغطيتها، لم تكن تساوي قيمتها أكثر من سبعة إلى عشرة دولارات، قبل أزمة النزوح الحاصل، لنُفاجأ بان هذا السعر قفز إلى ما فوق الخمس وعشرين دولارًا فقط للفرشة الواحدة، من دون مُسْتلزماتها، مع العلم أنها دون مستوى السَّماكة المطلوبة من ارتفاعها، وقد مهّد التجَّار لذلك منذ الأيام الأولى للأزمة، ليُخْفوا ما في مستودعاتهم، متذرعين بنفاذ الكميات، ثم ليعاودوا عرضها باسعارٍ جديدةٍ. وهذا، لم يفاقم من أزمة مُعاناة النازحين وحسب، وإنما خلقت إرباكًا، حتى للمتبرّعين والخيّرين، لما تكوَّن من عجزٍ لديهم، يفوق ما رصده بعضهم من ميزانيةٍ ماليةٍ وهم مشكورين دائمًا.
غير أن المسؤولية في كل ما تقدم، تقع على الدولة، ولجنة الطوارئ الوزارية، والهيئة العليا للإغاثة، بخاصةً أن شهورًا عديدة قد مرَّت على تشكيل اللجنة بقرارٍ وزاريٍّ، ورُصِدَت لها الاعتمادات المطلوبة. واليوم، من غير المقبول منها هذا الشحّ الحاصل في توفير ما يلزم في العديد من المدارس، ومراكز الإيواء التي تضمّ نازحين، يشتكون ويرفعون الصوت هنا وهناك، ولا حياة لمن تنادي…!
هذا، فضلًا عن الزيادات المضاعفة، التي لحقت بثمن تذاكر السفر، من قِبَل شركة طيران الشرق الأوسط، ثمة جَشعٌ آخَر غير مسبوق، ولا يمت الى الأخلاق الإنسانية والوطنية بِصِلَة، والمُتمثل بلجوء بعض أصحاب الشقق والأبنية إلى رفع أسعار تأجيرها إلى أضعاف مضاعفة، مع الإصرار على تدفيع النازح ما فوق الستة شهور إلى السنة الواحدة مسبقًا، يضاف إليها عمولة شهر للمكاتب العقارية، التي تُسهم بدورها في تكبيد النازح ما فوق طاقته من مصاريف، ليجاريها في ذلك حسابات ومنصات خاصة، تتعاطى عرض الغرفة الواحدة، والشقة الصغيرة، للإيجار بأسعارٍ فلكيةٍ، وتنتشر كالفطر هذه الأيام على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لا هدف من إنشاء معظمها، سوى ابتزاز النازح واستغلال حاجته الماسة لسقفٍ يؤويه وعياله..
وأغلب هؤلاء النازحين، إما فقدوا ما يعينهم على تأمين مأوى داخل المراكز المُزْدحمة، أو دفعهم إلى اللجوء للقرش الأبيض المدّخَر لمثل هذه الأيام العِجاف. وفي كلا الحالين، فإن الأزمة، إن طالت، فإنها ستُطيل معها أزمات الناس، وتفاقِم معاناتهم، وبالتالي، لا مناص من تحركٍ رسميٍّ يجب أن تقوده البلديات في المدن والبلدات والقرى، لما تمتلكه من إمكانياتٍ بشريةٍ ولوجستية وشرطة، تستقبل وتحصي وتحدد أماكن ومراكز الإيواء، وأولوية المستحقين فيها، ومنع أي استغلال أو «تشبيح»، في وضع اليد على هذا المركز وذاك، من قِبَل أذناب أصحاب النفوذ، وقوى الأمر الواقع.
إن كل هذا، يستدعي التحرُّك الفوري، لوقف، ومنع، كل إهمال حاصل، بدأنا نراه ونسمع عنه بأصوات المعذّبين على هذه الأرض من أبناء شعبنا، وقد تجاوزوا المليون والثلاثمائة ألف نازح، والحبل على الجرار.. وإننا إذ ندق جرس الإنذار لتلافي كل سلبيات هذه المرحلة، فإنما ذلك لاعتبارنا أن الأمن الاجتماعي والمعيشي، لا يقل أهميةً عن الأمن الوطني، وما يتعرض له الوطن من تدميرٍ غير مسبوقٍ على أيدي العدو الصهيوني الغاشم، والذي لم يعد يقتصر على الجنوب والبقاع والضاحية، وإنما أصبح يطال كل محافظات لبنان، وأن كل تلكؤ في وضع حدّ للمتاجرين بمعاناة اللبنانيين في هذه المرحلة، يصبُّ حتمًا في مصلحة العدوان الخارجي، بل إنه رديفًا له. وأنه مهما قدَّم هؤلاء، وكل تجار الحروب، والمتلاعبين بقوت الشعب من ذرائع، يحاولون أن يقنعوننا بها فإنهم في هذه الحالة والعدو رديفان…