مقالات
غزّة.. وهدم المعبد!
“المدارنت”..
الحرب “الإسرائيلية” (الإرهابية الصهيونية على غزه، ترقى للحروب الكلية الشاملة، ويمكن مقارنتها بالحروب الكونية بأطرافها، وفواعلها، وتداعياتها. فهذه الحرب ليست قاصرة على إسرائيل والمقاومة، بل تشمل الدور المباشر للولايات المتحده كقوة كونية أحادية، ودور القوى الإقليمية، وتفعيل دور الفواعل من غير الدول، والحراك الطلابي الذي يعمّ كل الجامعات الأمريكية والأوروبية، والتظاهرات الشعبية التي تعم مختلف عواصم العالم، وهذا كله يجعلنا أمام أنموذج استثنائي لحرب لا تتكافأ قوى طرفيها الرئيسيين، إسرائيل والمقاومة، ما يعني أن تداعياتها قد تدخلنا في سيناريو الخيار الشمشوني، وهو من أنواع الحروب التي يصعب أن تنتهي بالنصر المطلق.
فعلى الرغم من مرور أكثر من سبعة أشهر، والحجم غير المسبوق من عدد الضحايا المدنيين، بما يزيد على أربعين ألفاً، وأكثر من مئة ألف جريح ومعاق، وتدمير شامل للبنية التحتية التي هي أصلاً ضعيفه، وتدمير اكثر من سبعين في المئة من المنازل، حيث وجد أكثر من مليوني نسمة أنفسهم يعيشون في العراء، وبلا غطاء إنساني. رغم ذلك لم تنجح “إسرائيل” في تحقيق الأهداف المعلنة منها.
والتساؤل: ما علاقة الخيار الشمشوني بهذه الحرب؟ لو عدنا إلى «عملية طوفان الأقصى» نجد من عناصر هذا الخيار الذي مسّ هيبة “إسرائيل”، ووجودها، أن اللجوء إلى هذا الخيار يعني محاولة هدم المعبد على رؤوس الجميع.
وهل من علاقة بين الحرب والخيار الشمشوني؟ فالإجابة عن السؤال لن تقتصر على “إسرائيل” فقط، بل قد تشمل أيضاً المقاومة. فـ”إسرائيل” لن تسمح للمقاومة بأن تنتصر، وتحقيق ما تريد، لأن هذا يعني نهاية لـ”إسرائيل”. والمقاومة بدورها لن تسمح لـ”إسرائيل” أن تنتصر بما تملكه من أوراق قوة، أهمها مشاركة قوى أخرى إلى جانبها مثل «حزب الله» وجماعة الحوثي.
وإذا كانت هناك علاقة بين كل هذه القوى، فما أوجه الشبه ؟ فإسرائيل لا يمكنها القضاء على المقاومة الفلسطينية من جذورها، ولن يأتي اليوم الذي تعلن فيه المقاومة استسلامها، وبدلاً من ذلك سيأتي يوم هدم المعبد، ولا المقاومة قادرة على هزيمة “إسرائيل” بكل قوتها، ولن يُسمح لحركة أو فصيل تحقيق هذا الهدف، ومع افتراض أن ذلك قد تحقق، فقد تلجأ “إسرائيل” إلى قوتها النووية التي تهدم المعبد على رؤوس الجميع. والجميع يعرف أن “إسرائيل” تمتلك أسلحة نووية منذ الستينات من القرن الماضي، لكنها تتستر عليها، كما أن الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى تغض الطرف عنها، ولا تطالبها بالكشف عنها، وإخضاعها لتفتيش وكالة الطاقة الذرية.
وعلى الرغم من مرور أكثر من سبعة أشهر على هذه الحرب، ما زالت الإبادة، وغرور القوة “الإسرائيلية” طاغيين ومسيطرين بالتدمير، والقتل، من دون اعتبار لطفل، أو امرأة، أو مسن، وفي الوقت ذاته استمرار المقاومة في القتال، وإطلاق ما تبقى لديها من صواريخ كرسالة عدم الاستسلام، والقبول بما تفرضه إسرائيل لليوم التالي للحرب.
المفارقة في هذا الخيار هو الثمن غير المحتمل بشرياً، الذي يتحمّله أكثر من مليوني نسمة في غزة، ينزحون من مكان لآخر في مساحة لم تعد قادرة على استيعابهم، وهم من يتحمّلون خيار هدم المعبد.
“إسرائيل”، فقدت بصيرتها بغرور قوتها، ولم تعد ترى إلا الدمار، والقتل، وترفض حتى دراسة الواقع الذي فرضته الحرب، وترفض كل الحلول السياسية، وأي تسوية تفاوضية، كما ترفض وقف إطلاق النارن وأي صفقة تعيد إليها أسراها ومختطفيها، مدعية أنها قادرة على تحقيق «النصر المطلق».
الحرب خلقت واقعاً سياسياً جديداً لا يمكن أن تعود معه غزة كما كانت في السابق، فإسرائيل تواجه مأزقاً وجودياً، مع تهالك قوة ردعها، وسقوط هيبة جيشها، وعدم قدرتها على حكم غزة من جديد، وهذا الوضع يقرب الجميع من الخيار شمشوني، وهذا يعني هدم المعبد على رؤوس أصحابه.
مشكلة “إسرائيل” تكمن في حالة الكراهية والحقد والرغبة في الثأر الأعمى، فضلاً عن الأيديولوجيا العمياء التي تحكم الحزب الحاكم في إسرائيل، والدور الذي يلعبه الدين، وتحكّمه في السياسة.
يقول ابن خلدون «إن الفهم المغلوط للسياسة يجعل من السياسي مستبداً، والفهم المملوء بالغلوّ لرجل الدين يجعله محرّضاً على التكفير، وكلاهما يصنع الدمار، ويهدد العمران»، ويقول ونستون تشرشل: «احذروا أن يشعلها رجل دين وينفذها رجل سياسة».