فرص ترامب لتوظيف محاولة اغتياله..!
“المدارنت”..
خمسة أيام فقط فصلت بين المناظرة الانتخابية التي جرت بين نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديموقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومنافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، وما يروج له إعلامياً حتى الآن من محاولة اغتيال ثانية تعرض لها دونالد ترامب في منتجع «ويستب الم بيتش» في فلوريدا، الأمر الذي فرض طرح كثير من التساؤلات خاصة حول فرص ترامب في توظيف وضعه الانتخابي المتراجع أمام تقدم هاريس الذي جاء عقب التفوق الذي حققته في مناظرتها مع ترامب.
من أهم تلك التساؤلات الذي يمكن اعتباره سؤالاً نمطياً وتقليدياً في الفكر الإعلامي الأمريكي، هو: هل يمكن أن ينجح ترامب في توظيف ما يجري الترويج له على أنه محاولة اغتيال دون أي تأكيد لذلك لتصحيح وضعه الانتخابي واسترداد التفوق على نحو ما نجح فيه وحملته الانتخابية في توظيف محاولة اغتياله الأولى في 13 يوليو/ تموز الماضي في مدينة باتلر بولاية بنسلفانيا؟
هذا السؤال يسيطر على كثير من التحليلات السياسية في تجاهل تام للظروف المحيطة بهاتين المحاولتين لاغتيال ترامب، فالمحاولة الأولى جاءت في أعقاب المناظرة الانتخابية التي جرت قبل حوالي شهرين في أتلانتا أمام الرئيس جو بايدن، وكان أداء بايدن فيها «كارثياً» على العكس من ترامب الذي تفوق بجدارة على بايدن، ما يعني أن ترامب كان، حين تعرض لمحاولة الاغتيال الأولى، في حالة تفوق، على العكس من وضعه في المحاولة الثانية التي جاءت عقب تفوق كامالا هاريس عليه بجدارة في مناظرتهما التي جرت قبل خمسة أيام فقط من محاولة اغتياله الثانية المزعومة، لدرجة أن ترامب، الذي كان يطالب بإجراء ثلاث مناظرات مع هاريس للإجهاز عليها انتخابياً اعتقاداً منه أنه يملك ناصية الكلام وسحق كل من يقف أمامه، اضطر إلى أن يعلن أنه «لا يفكر في إجراء مناظرة أخرى مع هاريس».
كما أن محاولة الاغتيال الأولى جرى بسرعة التعامل معها على أنها «محاولة اغتيال» خاصة أن ترامب أصيب بعيار ناري في أذنه كان يمكن أن يصيب رأسه، وأن ترامب ظهر عقب هذه المحاولة ك «بطل قومي» قادر على الصمود أمام كل التحديات «من أجل الأمة» أو من أجل «عودة أمريكا قوية» كما يروج.
في المحاولة الأولى جرى قتل الفاعل فوراً، ومن ثم لم يفتح أي تحقيق لمعرفة ملابسات الحادث، وبالذات لماذا أقدم هذا القاتل على محاولة قتل ترامب، هل هي أسباب تعبر عن رؤية سياسية تشكك في عدم امتلاك ترامب الجدارة لتحمل مسؤولية قيادة أمريكا، أم لأسباب شخصية.
غياب معرفة الأسباب والدوافع وراء تلك المحاولة لاغتيال ترامب في مدينة باتلر بولاية بنسلفانيا أدى إلى عدم تعرض ترامب لأي انتقادات كان يمكن أن تؤثر سلبياً على تفوقه في استطلاعات الرأي على الرئيس جو بايدن الذي كان بالفعل «في مرحلة أفول» عقب أدائه شديد السوء أمام ترامب في مناظرتهما الانتخابية، لكن هذه المرة، أي ما يخص محاولة الاغتيال الثانية، فإن الأمر شديد الاختلاف، فمن ناحية لم يعلن بعد رسمياً أن ما حدث كان محاولة اغتيال مؤكدة، كما أن ترامب كان بعيداً عن موقع إطلاق النار، وثالثاً، أن ترامب لم يظهر أي بطولة تخدمه انتخابياً، ورابعاً، وهو الأهم، أن تفاصيل التحقيق مع الفاعل الذي تم إلقاء القبض عليه لم تعلن بعد، وربما، في حالة إعلانها، تؤدي إلى الإساءة بشدة إلى وضع ترامب الانتخابي.
الواضح حتى الآن أن حملة ترامب وزعماء الحزب الجمهوري خاصة المقربين من الرئيس السابق يقاتلون لفرض «سيناريو المشابهة» بين محاولة الاغتيال الأولى ومحاولة الاغتيال الثانية «المزعومة»، فهم يؤكدون على أنها محاولة اغتيال مؤكدة، وهم يسعون بشدة إلى توظيف الحدث لجمع المزيد من أموال التبرعات، ويجاهدون لإخراج ترامب مجدداً بطلاً من محاولة الاغتيال هذه التي شككت في جديتها العديد من المصادر الإعلامية مثل صحيفة «التايمز» البريطانية، فيما كشفت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية أن فريق حملة ترامب يدرك الفرصة السياسية التي تقدمها محاولة اغتياله الأخيرة له، خاصة مع اقتراب استطلاعات الرأي بينه وبين كامالا هاريس، التي كانت قد تقدمت قليلاً في تأييد الناخبين لها في بعض الولايات الحاسمة.
لذلك ظهر السيناتور الجمهوري العتيد ليندسي جراهام، صديق ترامب، للتصدي لتقدم هاريس وإحباط طموحات الديمقراطيين، واستعادة مشهد محاولة الاغتيال الثانية، التي تعرض لها ترامب وتصويرها على أنها محاولة دنيئة لوقف تقدم ترامب انتخابياً والحيلولة دون تحقيق طموحه في أمريكا قوية. وقال في تعليق على منصة «إكس» إنه تحادث مع ترامب، وإنه، أي ترامب، «في حالة معنوية جيدة، وهو أكثر تصميماً من أي وقت مضى على إنقاذ بلدنا».
التحدي الذي يواجه هاريس الآن وحملتها الانتخابية هو كيف يمكن استعادة «توازن الوعي» لدى العقل الانتخابي الأمريكي، والقفز فوق تلك المحاولة الاغتيالية التي لم تعرف أسبابها بعد، وإذا كانت هاريس لم تفز ب «الضربة القاضية» على ترامب في مناظرتهما فبمقدورها، إن استطاعت كشف خلفيات تلك المحاولة الاغتيالية، توجيه تلك الضربة لترامب قبل أسابيع معدودة من موعد إجراء الانتخابات، المقررة في الخامس من نوفمبر المقبل.