تربية وثقافة
فضيحة النتائج وتعديل اللائحة من 108 إلى 170 ناجحاً… ماذا حصل في امتحانات دخول “الطب” في اللبنانية؟
“المدارنت”..
ما ان تقاعد عميد كلية الطب بطرس يارد في 21 من الشهر الجاري، وهو آخر العمداء الكاثوليك في الجامعة اللبنانية، حتى جرى الإستئثار بكلية الطب، إضافةً إلى كلية العلوم ورئاسة الجامعة، والثلاثة من الطائفة الشيعية. وواجه هذا “الثلاثي” أول استحقاق في مباراة الدخول إلى الكليات الطبية، وهي كلية الطب، وكلية طب الأسنان، وكلية الصيدلة. وجاءت هذه المباراة مخيبة ومشوبة بمختلف أنواع المخالفات الإدارية والأكاديمية والتنظيمية. ولم يكن أحد يعرف ان مغادرة يارد سوف تودي بالمباراة وتؤدي إلى خرابها!
تحت ستار وباء كورونا استُغل الوضع لكي تبادر “حركة أمل” إلى تنظيم دخول الطلاب إلى قاعات الامتحانات. وسرعان ما تنبه عميد العلوم بسام بدران إلى هذه المخالفة الفاقعة حتى أمر بنزع بطاقات التعريف الحزبية الخاصة عن صدورهم!
أما حساب حقل الكفاءة المنسوب إلى “الطائفة المتفوقة” فلم يتطابق مع بيدر مجريات المباراة التي جاءت بمثابة فضيحة بحيث لم تعرف الجامعة مثيلاً لها. فماذا حصل في هذه المباراة من ملابسات أثارت الشكوك بل مطعون بها وبالنتائج التي حملتها كسابقتها عام 2015؟
تقدم إلى هذه المباراة حوالى 1200 طالب في الكليات الثلاث المذكورة. وجرت المذاكرة حصرًا في أجواء من الهيمنة الطائفية. أشرف عليها رئيس الجامعة فؤاد أيوب، وعميد كلية العلوم بسام بدران، وعميد كلية الطب بالتكليف يوسف فارس، وعميد كلية الصيدلة بالتكليف عاصم القاق، وعميد كلية طب الأسنان بالتكليف طوني زينون المعين من فؤاد أيوب خلفًا له بعد انتخابه وتعيينه رئيسًا.
وبعد يومين من المباريات التي تخللتها شوائب، وبالكاد ما إن تم إعلان النتائج حتى لاحظ الطلاب ان ثمة خطأ ما في النتائج أدى إلى وقوع “مجزرة أكاديمية”، إذ لوحظ ان طلاب اللغة الفرنسية الناجحين كانوا أقل عددًا في جامعة محسوبة أصلاً كجامعة فرنكوفونية، وهي ظاهرة غير مسبوقة في هذه الجامعة، رغم ان عدد هؤلاء يفوق كثيراً أعداد طلاب اللغة الإنكليزية. وسرت شائعات انتشرت كالنار في الهشيم، وكتبت التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي حتى ان بعضها جاء ساخرًا، إذ اعتبر ان ما حصل “ليس خطأ مادياً مزعوماً، بل كومبيوتر ملغوم”.
فماذا حدث حتى فاحت رائحة الفضيحة من هذه المباراة؟
اتفقت اللجان على مسابقة اللغتين الفرنسية والإنكليزية. ونظمت الإستمارة الخاصة بها وتمّ توحيدها على أساس تسلسل الإجابات الصحيحة. علمًا ان التصحيح يتم بطريقة آلية بحيث ان الكومبيوتر هو المصحح في الامتحانات وليس الأستاذ. ولكن بدل ان تُدخل في الكومبيوتر تسلسل المعلومات الصحيحة في اللغة الفرنسية، تمّ تلقيمه على أساس المعلومات الأولية قبل خضوعها للتصحيح والتوحيد في اللجان ما أدى إلى رسوب عدد كبير من طلاب اللغة الفرنسية، وإعلان النتائج ونشرها وتعليقها. ونجح في كلية الطب وحدها 108 طلاب بعدما أصرّ عميد كلية الطب ان هذا العدد هو الأقصى المسموح استيعابه في هذه الكلية. أما كلية طب الأسنان، فأُعلن عن نجاح 83 طالبًا، و76 للصيدلة بعدما أصر العميدان كما فعل عميد الطب بأن هذا العدد هو الاقصى الممكن استيعابه. وهذه الأعداد لا تشمل أولاد الأساتذة الموظفين الذين يتم إنجاحهم بمعدل 12/20. علما أنه تقدم في الحدت 660 طالباً وفي الفنار 120 طالباً.
إلا ان القضية لم تنته عند هذا الحد، لأن انكشاف الفضيحة في اليوم التالي أعاد طرح المشكلة، فتبين ان الخطأ وقع، وان من أُعلن نجاحهم كان بعضهم غير مستحق مع إعادة دمج طلاب اللغة الفرنسية المستحقين والذين سقطوا أو أُسقطوا من لائحة الناجحين. فسادت الفوضى في الأوساط الجامعية، واعتبرت هذه المباراة بأنها نموذجية في الارتجال والاستهتار والتقصير في الإعداد لها حيث ان العمداء واللجان لم يكلفوا خاطرهم عناء التأكد من صحة وسلامة نتائج الكومبيوتر.
عادت اللجان إلى الاجتماع لتصحيح الأخطاء الحاصلة وهي مما يُعدّ بالعشرات ولم يكن في الإمكان حصر الضرر. إذ ان الطلاب الذين أُعلن نجاحهم خطأ بات فوزهم بالمباراة كحق مكتسب “لأسباب إنسانية” بحسب قول رئيس الجامعة ولا يجوز التراجع عن إعلان نجاحهم وإعادة إسقاطهم. فتم دمج لائحة تضم عشرات الأسماء في كل اختصاص إلى اللوائح المعلنة سابقًا ليبلغ عدد الطلاب الناجحين في السنة الثانية من كلية الطب وحدها 170 طالباً.
أقل ما يقال في مباريات الدخول إلى كليات العلوم الطبية للعام الجامعي 2020 انها مباريات غير مهنية بكل المعايير. إذ كيف لهؤلاء الطلاب ان يجدوا لهم موقعًا في الاختصاصات المختلفة حيث كانت الجامعة تجد صعوبات بالغة مع أعداد أقل بكثير مما نجح هذه.
في القضية، استغربت منظمة الشباب التقدمي في بيان، “نتائج امتحانات الدخول إلى كلية الطب، وطالبت بـ”أعلى درجات الشفافية في التعامل مع الطلاب، منعا لأي شك في النتائج التي سحبت بعد صدورها، ومنعا لأي لغط أو خطأ أو تأويل يضع النتائج ضمن خانة التدخل السياسي أو المحسوبات الطائفية”. ودعت “إدارة الجامعة إلى مراجعة النتائج كافة، وتوضيح ملابسات ما جرى بما يجيب عن كل التساؤلات من الطلاب الذين تقدموا الى الامتحانات او يضعون نصب أعينهم التقدم إلى كليات الجامعة كافة”.
المصدر: “النهار”