قراءة في عمل المبدع اليمني “مسارات” حكيم العاقل.!.
خاص “المدارنت”..
كتب الأديب والشاعر اللبناني عمر سعيد…
وفضاء النص اللغوي هنا؛ يتشكل بفضل مفردات النص التشكيلي من ألوان، وخطوط و فلسفة الوعي التي شكلت تضاريسها ريشة المبدع حكيم العاقل على قماش، كان مجرد خيوط نسيج، تراصت إلى جانب بعضها البعض، لتكون مقرا لتفاعلات اللون والحركة والحلول المتوغل فينا معا نحن الاثنين المتلقي والرسام.
أما عن تقديم المتلقي على الرسام هنا؛ فمرد ذلك إلى كون المتلقي يصبح الأول بعد إطلاق العمل الإبداعي، لأن فضاء العمل الفني الذي يجتذب المتذوق يتخطى حالته لصالح فضاء المتلقي؛ الذي سيعيد مغط ذلك القضاء، ويعرضه لتوسعة، لن تتوقف ما دامت عملية التلقي والتذوق مشتغلة في العمل.
1 – مدخل غوص عمودي، يسحب بالمتلقي إلى الأمام المقيم في التوغل؛ الذي يحمله إلى عالم المتخيل المفتوح على العمق.
ويتمثل في الخطوط التي تتقاسم اللوحة انطلاقاً من أسفلها إلى اعلاها من خلال خطوط طولية وإن انحنت، في تناغم ثنائي بي الأسود والأخضر.
2 – ومدخل تمدد أفقي، يدفع بالمتلقي إلى تحسس اتساع منفتح على مدى، يشكل فضاء اللوحة من خلال خطوط عرض، تتسق في ثنائية الأزرق والأبيض.
فكأن حكيم العاقل يفصح في عمله هذا عن فلسفته تجاه علاقة بالأرض بالسماء، وتعمدت تقديم كلمة الأرض على كلمة السماء، لموضوعية العلاقة بين الإنسان والأرض، مقابل اشكالية علاقته بالسماء.
حيث أوكل حكيم العاقل مهمة انبساط السماء في أعلى عمله للأرض؛ التي تشكل عمادها؛ الذي يرفعها على ركائز تواؤم ثنائية التراب والرغيف متمثلة بحقول الزراعة التي تنتصب عاموديتها صوب السماء.
وهنا وإن كانت السماء تتسع بشقيها الغازي والسائل كماء إلى الأرض، إلا أنها تظل بلا مدلول مادي لوظيفتها، لولا التراب الذي يترجم رسائل السماء إلى مادة لونية، تضيق بها التضاريس، لتتسع لها لوحة حكيم اللونية، فتؤثثنا كمتلقين بتوازنات العلاقة بين كل ثنائيات هذا الكون.
ولنتخيل سماء بلا أرض، فما قيمة غيومها وأمطارها، فيما لو ظلت في سبح لا نهائي، لا يمكنها من هطول؛ يصفع مجعولات، يوقظ فيها أكوان مهما تناهت في الدقة تظل تتسع في الإبداع والإعجاز إلى أبعد من حدود الذهول؟!
فالوعي هو المسؤول عن عمودية، لا زالت تنتج عن تساؤلاتٍ تُراكم ارتفاعاتٍ، لا تُحد منذ الأزل، والأفقية ليست إلا تلك الأسقف؛ التي تظل تنأى علواً, كلما راكم الوعي فينا خبراته.
فما قيمة الماوراء لولا أعمدة الوعي التي نصبتها البشرية منذ اليقظة الأولى؟!
وما جدوى البعث كله لولا التجربة الأرضية؟!
إن عمل حكيم العاقل “مسارات”، وإن كان بظاهره تمددات لونية لطبيعة في اتجاهات واضحة أفقية وعمودية، إلا أنه منصة تضرم نار تساؤلات فلسفية، تظل تبحث عن تلك الطريق الوحيدة غير المتشعبة، التي لا بد من سلوكها بالمنح والوفرة لبلوغ تلك الأفقية، التي لا يزيدها التأويل إلا تأويلاً أشد انفتاحًا على مزيد من التأويل.