مقالات

قيمة ومكانة الإنسان في التشريع الإسلامي.. الجزء (3)

أديب الحاج عمر/ لبنان

“المدارنت”
إنطلاقا من مقولة: أن الإنسان كائن عقل واجتماع، كائن علاقة وحاجة، دلالة واضحة أن المشيئة الإلهية قد تجلت في خلق الإنسان، وبيان سننه تعالى في كافة شؤون الانسان الاجتماعية. لقد خلق الله الإنسان كما نعرفه الآن، فجعل له عقلا كي يتصرف بشعوره واحساسه، كما وله فكرا بتفكر في حاجاته البدنية والنفسية. ثم جعل عملية الارتقاء الانساني بتعقله وادراكه وتفكيره، عملا كسيبا. لأن جوهر الخلق لدى الخالق العظيم لم تكن بقوى محدودة متساوية لدى كافة الناس، إنما جعلها مختلفة متفاوتة بين الأفراد. ومن جهة ثانية، فقد أنشأ الله تعالى الإنسان، ضعيفا، ثم يتدرج بكسب القوة فيقوى، بعدها يعود إلى ضعفه مرة أخرى، أضف إلى ذلك، إنه تعالى جعل الإنسان عنصر تأثير وتأثر، بما يحيط به من بيئة الزمان والمكان، ثم أعطاه أمر الاختيار، هداية للدين والعبادة.
هذا الخلق الذي تجلّى فيما ذكرناه دليل اختلاف الناس، وسبب تباينهم فيما بينهم، هذه الحالات الخلافية المتباينة فيما يملكه الإنسان من قوة، أدت إلى ما ينتج من تنازع وتخاصم وتقاتل، هذا الذي قد نهى عنه الخالق وأمر بالامتثال للاتحاد والاعتصام والتكافل. لقوله تعالى: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..”. آل عمران/ 103.
الخلاصة من كل ذلك، إنما يتمثل في طاعة الله وتشريعه، أمرًا ونهيًا، وأخصّ بالطاعة، الأخذ بكتاب الله، كله وبما نصّ من نصوص، إضافة إلى تحقق الأسوة الحسنة بالرسول (ص) كما أمر سبحانه وتعالى، ثم العمل مع أولي الأمر بالشورى مع ضرورة تطبيق أصولها الشرعية. لقوله تعالى: أفلا يتدبرون القرآن..”. النساء /83. كما وجب الأخذ بالعمل الحميد والحسن، الذي هو قوام المصالح والمنافع الإنسانية المتبادلة.
تكمن السعادة الدنيوية الحقة في الأنفس وليس بالافاق، تلك السعادة التي عرفها الشرع وايدها الاختيار والعقل، وهي التي تعتمد اعتدال النفس في أخلاقها واعمالها، كما ترتكز على صحة العقيدة وعلومها التطبيقية. لقوله تعالى: “ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا..”، الأنبياء/47. لقد أكد الإسلام على أن الإنسان مطالب في الروح والعقل والبدن، ومع تحقق ذلك، تنتظم حياته، كي يتوجه إلى تحقيق أفضل ألوان الحياة. لأنه مخلوق كعالَم مترامي، مليء بالرغبات والحاجات التي يسعى، طوال عمره، لتحقيقها. فالشخصية الإنسانية حقيقة حية، كما أن حياة النوع الانساني، تاريخ متصل، يتمم بعضه بعضا، إلى أن تتفاعل بالتعارف بين القبائل والشعوب، تحت مظلة الأخوة الإنسانية العامة، مع تحقق عدم أفضلية قوم على غيرهم، إلا بالتقوى والعمل الصالح. لذلك نجد القرآن الكريم يخص الإنسان الحديث والمخاطبة، لأنه الكائن المقصود بذاته، من حيث أنه يشعر بقيمته ومكانته من هذه الاكوان التي يدور في افلاكها.
فالإنسان: أولا__ مخلوق من تراب لقوله تعالى: “أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون”. آل عمران/ 59.
ثانيا__ الإنسان نوع من أنواع الحيوان: “وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم امثالكم”، الانعام/ 38.
ثالثا__ الإنسان مميز عن الحيوان من نواحي الخلق والعقل والعلم. العلم الذي يتميز بقابليته للنمو والزيادة والارتقاء: “ثم أنشأناه خلقا اخر”. المؤمنون/ 14: “سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم”.فصلت/ 53.
رابعا__ الإنسان مميز بجانبه الروحي الذي جعله على مرتبة رفيعة ومقام عال: “فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين “. الحجر/ 29.
خامسا واخيرا __ الانسان هو الخليفة المسؤول عن عمله: “ولكل امرئ بما كسب رهين”. الطور/ 21.
هكذا ينظر الإسلام الحنيف إلى الإنسان، نظرة تضعه فوق مستوى الكائنات الحية جميعا، ليكون خليفته على هذا الكون الذي يحيا فيه، ونجد أن القرآن قد استعمل لفظ الإنسان في كثير من الايات وجعل، ايضا، سورة كاملة باسمه، وتلك الآيات: الحجر/ 26- السجدة/7- الإسراء/11- ابراهيم/ 24. كما استعمل لفظ الناس للدلالة على الجنس البشري في آيات كثيرة وكثيرة.
يخاطب القرآن الكريم الإنسان بوجه عام، ويشترط عليه المعرفة المتبادلة لتحقيق التعاون الذي أوصى به الله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”. المائدة/2. فالتخصيص للفرد الانساني ظاهر في تعاليم وتشريع العقيدة الإسلامية، لأن الدين ،بعقيدة سماوية، تخص الفرد من حيث هو سمة علاءقية تخصه انطلاقا من علاقة الإنسان بخالقه، والتي تتضمن كل ما تقتضيه العلاقة من طاعة وخضوع وتامل وتدبر في التطبيق. وفي نفس الوقت، يتميز الفرد الإنساني بالجماعية. أو الاجتماع، بسبب ارتباطه بعلاءق تكوين الجماعة والمجتمع.
لقد شُرِعت له القوانين، ووضعت له الأحكام والمبادئ، كي تضبط وتنظم له جميع شؤونه الدنيوية والآخروية.
فالإسلام ينطلق من الفرد ليصل به إلى الجماعة، وينظر إلى الفردية ببعدها الجماعي والاجتماعي، والتي تذهب بالفرد إلى التمتع بخصائص ومؤهلات تضعه ضمن العناصر المكونة للمجتمع، وصالحة، ايضا، للتفاعل فيه. لهذا كانت عناية الإسلام، بالفرد كانسان، عناية تمايز وتفوق الحدود. وقد تمثلت
1/ تأمين الحقوق التي بها يعيش إنسانيته بحرية وعزة وكرامة
2/ تكليفه بواجبات تحدد له دوره، وتجعل منه مخلوقا مسؤولا
3/ إعداده إعدادًا صالحًا، يمكّنه من الاستفادة من حقوقه، مع قدرة القيام بواجباته.
هذه القيمة السامية والإمكانات، التي وهبها الله تعالى للانسان، إنما تحتاج إلى منظومة مسؤولة واعية، مدركة، تحمل كفاية التوجيه السليم والإرشاد السدبد، بحيث تتكامل عناصرها في العناية والرعاية، لتحقيق مبدأ التوازن في تكوين الفردية ةلانسانية، على كافة مستويات العملية الحياتية، يعني توازن الحسد مع الروح، ثم الانتقال منها إلى توازن الجماعة في تكوين المجتمع، لأن كل ما يتعلق بالفرد يقضي حتما الانتقال للمجتمع، إيجابا أو سلبا، لأن الفرد يعمل كجزء من الجماعة، ويعتبر المحور في رفع أو تدني كفاءة الإنتاج بعموم أهدافه.
فالانسانية وعلاقاتها، إنما تشمل وتجمع، تلك الظواهر، الفردية والجماعية، على السواء، ونلفت النظر، إلى ما يواجهنا من تحديات نعيشها في حاضرنا، تلزم الناس والبشر، الاندماج والانسجام والترابط، داخل منظومات مؤسساتية متفاعلة الإيجابية كي يستطيعون تحقيق أهدافهم المشتركة. ولهذا وجب ضرورة إعداد الأفراد البشرية على النهج القويم ثم تهيئتهم لبناء وتكوين مجتمع سليم معافى بتميز بالقيم والأخلاق والمثل العليا، لأن نطاق الافراد، إنما يتسع شيئا فشيئا، في خلايا ثنائية وأسر اجتماعبة، تكبر وتنمو إلى أن يتم تكون المجتمع والوطن ثم الامة.
إذن تكمن القوة الإنتاجية بالجهود والمجهود الفردي، والتي تتدرج وتتحول تلقائيا إلى مجهود جماعي. فالعمل المخصص لكل فرد يتطور ويتكامل في إطاره الإنتاجي العام لكل منظومة مؤسساتية.
فالإنسان الفرد يعتبر منطلق الرابطة الانسانية، باعتباره مجموعة من الطاقات والقدرات والكفاءات، التي تشمل كافة ملامح إنسانيته، وتثبت لديه الاحساس بالوجود الذاتي، ومع وجود الآخرين، كما وتمنحه إمكانية العمل والانتاج، وتلهمه قدرة التأثر والتأثير.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى