مقالات

كي لا ننسى.. ماذا حصل بين دول الخليج؟! هل هو إعلان حرب؟! ولماذا؟!

“المدارنت”..
لم يكن هذا التصعيد الخطير في مواقف الدول الخليجية الثلاث السعودية والإمارات والبحرين، وكذلك مصر تجاه قطر مفاجئاً، ولا خارجاً عن السياق، فالوضع بين الإمارات والسعودية ومصر خاصة بعد انقلاب السيسي من جهة وقطر من جهة أخرى في حالة تصعيد وتخفيف توتر دائم ومنذ أكثر من عقدين.

 القصة من البداية
اولا/ منذ انقلاب الأمير حمد آل ثاني على والده في قطر كنموذج غير مقبول في سياسات الدول الخليجية الملكية والأميرية، حيث طريقة الانتقال في الحكم مضبوطة بقواعد متوافق عليها ضمن العائلات المالكة. والانقلاب سابقة خطيره قد تشجع البعض الى التفكير بالقفز للوصول للحكم ضمن هذه العائلات؛ وهذا يؤثر على استقرارها كأنظمة حاكمة وعلى مصالحها وعلى استمرار تحكمها بمقاليد الحياة الاقتصادية والسياسية والمجتمعية داخل بلادها، هذه السيطرة التي لم تعد متواجدة كنموذج لدول تملكها عائلات حاكمة كملكية شرعية وتتصرف بها وبشعبها كيفما تشاء، وزاد على ذلك استقواء الأمير الجديد بالامريكان رعاة كل حكام الخليج بحيث وضع تحت حماية أمريكا ومنع أي طرف من محاولة التأثير عليه او الإساءة له، كل ذلك يضاف له ما قامت به دولة قطر بافتتاحها قناة الجزيرة  – وأمريكا لم تكن غائبة عن معرفة ذلك وقبوله – القناة التي قدمت نموذجا جديدا لم يكن يحلم به العرب، وهو التكلم العلني عن الدول والسياسات وكشفت المستور والممنوع التكلم به وعنه، لقد اصبح الكل تحت المجهر، واصبح الشعب العربي مطّلعا وعارفا وأدرك أن هناك تغيرا نوعيا حصل، كل ذلك جعل قطر عند اغلب الدول العربية وخاصة الخليجية. عدو يجب السيطرة عليه لإسقاطه كنموذج ولو بعد حين، رغم كونه تحت الحماية الامريكية.
ثانيا/ لم يكن ما فعلته قطر من الانقلاب الى فتح قناة الجزيرة الاخبارية خارجا عن ادراك السياسات الاستراتيجية الامريكية، فقد ادركت امريكا حالة الثبات والفوات والموات السياسي في منطقتنا، وبدأت تتحرك لخلق حالة تفاعل سياسي وتساؤلات واعادة الناس لمربع الاهتمام بالشأن العام والدفع باتجاه مواقف اكثر جذرية اتجاه اوضاعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكل ذلك مقدمه لخلق حراك عام تستفيد امريكا وحلفائها من استثماره، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وبداية التحول الاستراتيجي الامريكي لاعتبار الاسلام والجماعات الاسلامية العدو الجديد لامريكا والغرب، وبدأت تهيئ المسرح العالمي وخاصة منطقتنا العربية لتكون ساحة الصراع في هذه المرحلة، فبعد الدعم الغير محدود بالمال والرجال للجهاديين في افغانستان، وبعد ان تحولوا لكتلة جهادية عالمية (القاعدة) وجهت حربها ضد امريكا والغرب والدول التي خرجت منها خاصة الدول العربية والخليج بشكل اساسي، وبهذا يكون مسرح الصراع قد اكتمل والقوى المتصارعه حاضرة، الجماعات الجهاديه من جهة، والمصالح الامريكية ومصالح الدول من جهة اخرى ودخلنا في عقود دامية، بدأ باحتلال افغانستان، وبعدها ضرب برجي التجارة العالمية، واحتلال العراق بعد حصارها الذي دام لسنوات، وبعدها وليس آخرها الربيع العربي وادارة الصراع في دوله وعليه كنموذج لثورات الشعوب يجب ان يستأصل، كل ذلك والجزيرة كوسيلة اعلامية حاضرة في قلب الحدث رغم رفض ذلك من جميع دول المنطقة ورضى ضمني امريكي، طالما مآلات الصراعات كلها تأتي لصالح امريكا وحلفائها في المنطقه خاصة “اسرائيل”؟
ثالثا/ لم يكن خافيا على المتتبع لاستراتيجيات أمريكا وحلفائها في المنطقة أن هذا الاحتقان السياسي والمجتمعي على كل المستويات كان سيؤدي للربيع العربي بشكل ما، وكان المتوقع حصوله في الدول الأكثر فقرا و استبدادا ومظلومية، ولم يكن خافيا تأثير وسائل التواصل الاجتماعي المركزي في ذلك؛ وخاصة دور قناة الجزيرة – كقائد ميداني – في أغلب بلاد الربيع العربي، ولم يكن هذا ليعجب الحكام العرب جميعا وخاصة حكام الخليج، الذين لم يكونوا و بلادهم بعيدين عن مطالب شباب الربيع العربي:بالانتقال السياسي مجسدا بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والتشاركية السياسية (الديموقراطية) والحياة الأفضل، ولم تكن خطاباتهم الإيجابية لشعوبهم ولا رشوتهم بالعطايا والمزايا أن تغير من واقع الحال، لذلك كان حنقهم على الجزيره وقطر وراءها يزداد، وما محاولاتها لخلق وسائل إعلام منافسة للجزيرة إلا رد ضعيف لتجميل صورة هذه الدول، ولو انها تسترت وراء دعم تلك الثورة أو هذه من ثورات الربيع العربي، وهذا ما حصل عبر محطتي العربية وسكاي نيوز كنموذج.
رابعا/ لم تكن أمريكا بعيدة عما يحصل في منطقتنا، في دوائر استخباراتها ومراكزها البحثية تابعت ما حدث، فلم تكن قادرة على رفض مشروعية مطالب الربيع العربي بالعلن؛ بل خرج اوباما الرئيس الامريكي يمدح الربيع العربي ويعتبره نموذجا عالميا يجب أن يحتذى، لكن واقع الحال ان امريكا استشعرت الخطر على أركان استراتيجيتها في منطقتنا. فهذا الربيع العربي يعيد القضية الفلسطينية للواجهة؛ وأنها لم تنسى وان الجيل الجديد يتمسك بالحقوق الفلسطينية وما زال هناك من يتكلم عن لا مشروعية وجودها ككيان غاصب وضرورة زوالها، وكذلك الحفاظ على استقرار الحكومات العربية وخاصة الخليجية منها من ان يصل اليها الربيع العربي، فهي تتربع على بحار من النفط والغاز وتابعة سياسيا بالمطلق لأمريكا، لذلك كان همها الأول رعاية اغتيال الربيع العربي عبر احتوائه في تونس، والانقلاب عليه في مصر، وتحويله لصراع دامي في ليبيا واليمن، واعطاء الضوء الاخضر للنظام السوري وحلفائه ان يقود حرب افناء ضد الشعب السوري، وكذلك في العراق بحجة محاربة الإرهاب، كل ذلك ضمن آلية إعطاء الأطراف المتصارعة حق ان تقاتل لما تراه حقها، دون أن ينتصر أي طرف على أي طرف (إدارة الصراع وليس حله)، وكل ذلك يعود بالفائدة عمليا على امريكا وحليفتها اسرائيل بشكل اساسي.
خامسا/ لم تكن قطر وبقية دول الخليج خارج مخطط إذكاء نار الصراع في كل ساحات الربيع العربي، في قنوات الجزيرة والعربية وسكاى نيوز وتفرعاتهم لم تتوقف كساحة حرب حقيقية عن دعم كل طرف لما هو أقرب لمصالحها وعلى مدار الساعة، وكذلك في الميدان، فلكل دولة فريق أو أكثر تدعمه بالمال والسلاح، و كان الكل حاضر وله اتباعه وجيوشه ومصالحه، ولم تكن قطر بعيدة عبر مساعدتها لاطراف مسلحة في ليبيا وكذلك في سوريا، ولا تخفي عدائها للانقلاب في مصر وتحاربه إعلاميا، وتحتضن اغلب قيادات الإخوان المسلمين المصريين، الذين أصبحوا بين عشية وضحاها الى ارهابيين مطلوب رأسهم، وكانت السعودية والامارات تدعم بالمباشر الانقلاب في مصر وتقدم له مليارات الدولارات الانقاذية، وكذلك دعم قوات الجنرال حفتر في ليبيا، وهذا ما أثر على سوريا ايضا حيث ان خلاف هذه الدول فيما بينها، كان ينعكس بالسوء على الثورة السورية ويعيدها للخلف اكثر واكثر.
سادسا/ ولتكتمل الصورة أكثر لا بد من الحديث عن الاطراف الاخرى التي كانت في معادلة الصراع ضد الشعوب وطموحها بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ففي العراق لم تتجاوب الدولة العراقية لمطالب الحراك السلمي المشروعة، وأعلنت الحرب على الشعب برعاية امريكية – ايرانية، مما اعطى فرصة لنمو القاعدة وتحولها لداعش وتحول العراق لحرب ابادة جماعية، تحت دعوى محاربة الإرهاب وأمريكا راضية، والقوة الاكثر حضورا في العراق هي إيران والمليشيات التي تدعمها، وكذلك سوريا حيث تدعم إيران وحزب الله والمرتزقة الطائفيين من العراق وأفغانستان، وكذلك روسيا بقوتها العسكرية وحضورها السياسي، وكذلك اليمن التي تحالف بها علي عبد الله صالح مع الحوثيين في معركة إفناء متبادل بدعم إيراني من جهة وقوات الشرعية اليمنية بدعم خليجي من جهة اخرى..الخ، وما استتبع ذلك من شق عمودي في البنية المجتمعية العربية، الشيعية ضد السنة وبالعكس، والسنة ضد السنة والعلويون ضد السنة وبالعكس، والطوائف الاخرى تنتظر اقدار الصراع فهي صغيرة الى درجة تضيع في طوفان الصراع. كل ذلك وامريكا والغرب عموما يتدخل بالحد الأدنى انسانيا.!!، وتضبط الصراع لكي لا يخرج عن السيطرة ويعطي ثماره بعيدة المدى: الخراب العربي، وموت حلم الربيع العربي، ولن ننسى ان امريكا رعت امتداد إيران بالمنطقة عبر الاهتمام بملفها النووي الذي اثمر اتفاقا يمنعها من انتاج السلاح النووي لكن أعطاها المنطقة كلها لها… ولو إلى حين.. لكن..؟
سابعا/ مع مجيء الادارة الامريكية الجديدة برئاسة ترامب، فقد أعلنت أنها ستتدخل بقوة في المنطقة ولن تتركها لروسيا وإيران، روسيا التي ستحجمها وتتقاسم معها النفوذ، وإيران ستخرجها من المنطقة. وكانت باكورة أعمال ترامب حضوره للرياض المؤتمر الموسع مع دول عربية وإسلامية؛ وحصوله على مئات مليارات الدولارات صفقات اسلحه واتفاقات بعيدة المدى وشبه إعلان حرب على ايران. وكانت أولى نتائج مجيء ترامب إلى المنطقة اعلان حرب على قطر ووضعها في دائرة الاهتمام والاتهام؟!!، فقطر دولة اصغر من اي مدينة عربية، وسكانها اقل من نصف مليون نسمة على أحسن تقدير، تعوم على بحر غاز ونفط قيمته بآلاف المليارات من الدولارات، اعجز عن ان اي دور كبير دون رعاية أمريكية فعلية، هل انتهى دورها في آليات الصراع الموجودة على الأرض.؟، الأرجح نعم.؟!، فقطر عندما تدافع عن المصريين وترفض الانقلاب، وعندما تساعد بعض الأطراف هنا أو هناك في بلاد الربيع العربي، وعندما تحتضن قيادات الإخوان المسلمين المصرية، أو تدعم حماس في غزة، وعندما تترك قناة الجزيرة ترمي الدول الأخرى بسهامها، فهي لا ترضي الأطراف العربية الأخرى المتضررة، لذلك اصبح مطلوب راسها بصفتها مؤشرا جاء في يوم ما يعطي حقا للرأي الآخر ويقدم الادلة على حقوق الشعوب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والدولة الديمقراطية وان ادعاء، أن استمرار قطر بدورها والجزيرة بمنبرها؛ سيبقى يذكر كل الأنظمة القائمة بكابوس الربيع العربي الذي يود الكل دفنه في قعر هواجس الخوف عند جميع العرب. لذلك استهدفت قطر ودورها وقناة الجزيرة كأول معركة لترامب في منطقتنا.
ثامنا/ ان هذا التحليل لا يعني التوقيع على بياض على كل ما فعلته قطر وقناتها الجزيرة، بل هو التقاط الاستراتيجي مما يحصل من جعجعة إعلامية تلغي كل الثوابت وتكاد تلغي محاكمتنا العقلية أيضا، فما الارهاب وما الارهابيين واين اصبحت ثورات الربيع العربي كاملة، أصبحنا بقايا شعوب، في بقايا بلاد، في أيدي حكام قتله، أدوات رخيصة لدول تقتلنا وتستنزفنا إلى آخر انسان عربي والى آخر قطرة نفط او دولار نمتلكه، كلهم يدورون في دوامة كذب يقتلنا ونخاف كشعوب من المزيد.
تاسعا/ ان ماغير المعادلة على الارض ودفع الدول الخليجية للتفكير ألف مرة قبل ان تقوم بأي عمل معادي لقطر، عدا عن الرفض الامريكي الضمني لهذه المغامرة الغير مضمونة النتائج. الا وهو التواجد العسكري التركي في قطر. الموثق بمعاهدة الدفاع المشترك بين تركيا وقطر. التي أنجزتها تركيا وقطر بعدما ضرب الربيع العربي خاصة في مصر والتقطت تركيا وقطر الاشارة بأن النموذج الاسلامي الديمقراطي الذي بقي متجسدا في تركيا بعد الانقلاب على الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي. جعل تركيا وقطر يتحصنون بالمعاهدة وتتواجد قوات عسكرية تركية في قطر. كل ذلك جعل مغامرة التقدم باتجاه القضاء على الحكم في قطر أو الانقلاب عليه. احتمال بعيد وذي نتائج قد تؤدي لحروب اقليمية غير محسوبة النتائج. لذلك كانت الاندفاعة الخليجية ضد قطر كزوبعة بفنجان انتهت دون أن تؤدي لأي ضرر على قطر وعلى دورها وما تقوم به بتوافقات إقليمية ودولية برعاية ورضا امريكي.
ومع ذلك. إلى أي مدى ستترك امريكا الصراع الخليجي القائم ضد قطر أن يمتد؟، وهو يمتد بعمق الهجمة انه اعلان حرب فعلا، تتوسع دائرة الدول الملتحقة به، ووصل للحصار البحري والجوي والغذائي حتى، هل تدفع قطر الى الارتماء في حضن ايران ؟، او تنقلب على مواقفها؟، او غلق قناتها الجزيرة أو تدجينها؟، او يحصل انقلاب ابيض داخلي فيها يعيدها لبيت الطاعة الدولية والخليجية؟؛ بعد انتهاء دور قامت به؟

هل سيتورط البعض بحرب مع أو احتلال لقطر؟
مستبعد ذلك كسابقه بنتائجها التاريخية؛ الكارثية مثل احتلال العراق للكويت.
إنهم يعملون ليؤدوا تجربة فريدة استمرت لعقود في بلادنا العربية، أعطت لطيف واسع من العرب حق التفكير بأننا كبشر ودول يحق لنا أن نبني دولنا الديمقراطية، وان نحصل على حقوقنا الانسانية وان نتحلى بالكرامة الإنسانية وحياة عادلة ونحلم ونحقق فعلا الحياة الأفضل.
إنهم يهيئون حروب المئة عام القادمة من حروب إبادة طائفية واقلياتية ودينية وقبائلية وبين دول المنطقة وداخلها، وكل ذلك في حسابات أمريكا والغرب و”إسرائيل المستفيد الأكبر”، استثمارات مجزية عبر قتل الشعوب ومنعها من تحقيق فرص العيش ناهيك عن تحقيق حياتها الافضل. والنموذج الغربي الرأسمالي، مارس ذلك معنا عبر قرون وما يزال.

المصدر: أحمد العربي/ “ملتقى العروبيّين”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى