كيف حافظ الفلسطينيون على هويتهم الفلسطينية؟!
“المدارنت”..
إن بناء الهوية الوطنية والحفاظ عليها وتطويرها يحتاج إلى الآخر النقيض بما يخلق حاجة للدفاع عنها مرة بعد أخرى، وفي الحالة الفلسطينية كان الآخر النقيض هو الصهيونية الإجلائية الإحلالية. هذا ما ذكره المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي في بعض صفحات كتابه (الهوية الفلسطينية).
خلال عقود من النضال الفلسطيني قبل النكبة الفلسطينية وبعدها، حافظ الشعب الفلسطيني على هويته من خلال عدة عوامل، منها الإرث الثقافي والتاريخي، والتمسك بالأرض والتراث، واللغة، والدين، والعادات والتقاليد. كما لعبت الأزمات والنكبات التي مر بها الشعب الفلسطيني دورًا كبيرًا في تشكيل هذه الهوية.
وقد مر تشكيل الهوية الفلسطينية بعدة مراحل تاريخية مهمة، ومن أبرز الأحداث التي أسهمت في هذا التشكيل:
ظهور الصهيونية وتهديدها للوجود الفلسطيني، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى و أفول الدولة العثمانية؛
ثورة العام 1936-1939، التي كانت ردًا على السياسات البريطانية والهجرة اليهودية؛
النكبة عام 1948، وهي الحدث الذي أدى إلى تهجير وتشريد ثلاث ارباع الفلسطينيين وإقامة الكيان الصهيوني “إسرائيل”؛
النكسة عام 1967، التي كان نتيجتها احتلال باقي الأراضي الفلسطينية و تهجير جزء جديد من الشعب الفلسطيني خارج وطنه؛
الاعتراف الدولي والعربي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني؛
العمل العسكري للفصائل الفلسطينية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير ومعارك مثل الكرامة وبيروت؛
الإضراب العام و المظاهرات و الاشتباكات في يوم الأرض، 30 آذار 1976، التي أكدت ارتباط الشعب الفلسطيني بأرضه ووطنه؛
الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، التي شهدت مشاركة جماهيرية واسعة والتي أكدت الرغبة الشعبية في الاستقلال والتحرر من الاحتلال؛
اتفاقات أوسلو وتأثيرها على الوضع السياسي والاجتماعي للفلسطينيين، والتي يمكن اعتبارها “النكبة السياسية للشعب الفلسطيني”؛
هذه الأحداث لعبت دورًا محوريًا في تعزيز الوعي لدى الشعب الفلسطيني، في جميع أماكن تواجده، بأهمية هويته الفلسطينية والحفاظ عليها، وقد لعب إنشاء الجمعيات الفلسطينية وتشكيل المجتمع المدني الفلسطيني في المخيمات والتجمعات في دول اللجوء وفي الأراضي المحتلة دورا هاما في تشكيل هذه الهوية و تطويرها.
وقد واجه الشعب الفلسطيني الكثير من الضغوطات الهائلة من اجل التذويب في دول اللجوء، او “الأسرلة” في الأراضي المحتلة. وقد تعامل الشعب الفلسطيني مع ضغوطات التذويب والتشرذم بعدة طرق، منها:
التمسك بالهوية الثقافية والوطنية: حيث حافظ الفلسطينيون على تقاليدهم وثقافتهم ولهجتهم المحلية كوسيلة للتعبير عن هويتهم الوطنية؛
التضامن الدولي: حيث يسعى الفلسطينيون بشكل دائم للحصول على دعم المجتمع الدولي لحماية حقوقهم وكرامتهم؛
المقاومة السلمية: في مراحل مختلفة من مراحل النضال الفلسطيني لجأ الفلسطينيون إلى أشكال مختلفة من المقاومة السلمية للتعبير عن رفضهم للسياسات التي تهدف إلى تذويب هويتهم؛
التعليم والتوعية: يعتبر التعليم والتوعية أدوات مهمة لتعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية وتاريخها وثقافتها؛
الدعم القانوني والحقوقي: يستخدم الفلسطينيون الأطر القانونية الدولية للدفاع عن حقوقهم ومواجهة التحديات.
من خلال هذه الوسائل وغيرها، يحاول المجتمع الفلسطيني جاهدا التصدي للتحديات والحفاظ على وحدته وهويته في مواجهة كل ضغوطات التذويب.
ويقوم الشباب الفلسطيني بدور محوري في مواجهة التذويب والحفاظ على الهوية الوطنية من خلال عدة جوانب:
المشاركة السياسية: يشارك الشباب في الحركات السياسية والمبادرات الشبابية التي تسعى لتحقيق التغيير ومواجهة التحديات؛
التعليم والتوعية: يسهم الشباب في نشر الوعي الوطني والثقافي، ويعملون على تعزيز الهوية الفلسطينية من خلال الأنشطة التعليمية والثقافية؛
المقاومة الشعبية: ينخرط الشباب في أشكال مختلفة من المقاومة الشعبية والسلمية للتعبير عن رفضهم للسياسات “الإسرائيلية”؛
العمل الجماعي: يعمل الشباب على تجاوز التقسيمات الجغرافية والفئوية ويشكلون حراكات تعمل على أسس رؤية واضحة جمعية؛
المشاركة في الحياة العامة: يسهم الشباب في المشاريع التعاونية والتطوعية والخدماتية، مما يعزز من دورهم في المجتمع؛ من خلال هذه الأدوار، يسعى الشباب الفلسطيني للحفاظ على هويتهم ومواجهة التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجههم.
وكان من اللافت تقدم السردية الفلسطينية على مستوى الرأي العام العالمي خلال الأشهر الماضية بعد معركة “طوفان الاقصى”، وشن الكيان الصهيوني حرب الابادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وارتكابه الكثير من المجازر وجرائم الحرب، إذ أصبحت السردية الفلسطينية أكثر وضوحًا وتأثيرًا في الرأي العام الغربي. ويرجع ذلك جزئيًا إلى الحملات المختلفة في وسائل الإعلام الاجتماعي المناصرة لقضية فلسطين، والتي تعزز مفاهيم مثل الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني. كما أن العديد من المشاهير في الغرب بدأوا ينددون بالجرائم الإسرائيلية، مما يشير إلى تغيير في النظرة الغربية تجاه القضية الفلسطينية.