لا أطلب معجزة.. فقط تفسيرًا لموتها.. أدخلتها بثقة وأخرجتها بنعش!

خاص “المدارنت”
ما أصعب أن يُفجع المرء بفقدٍ مفاجئ! وما أوجع أن يُغلّف الغموضُ هذا الفقد، وتبقى الأسئلة بلا أجوبة!
في عزاءٍ خافت الصوت، كثيف الأسى، جلستُ إلى جوار رجلٍ هو “و. إ.”، جفّت دموعه وبقيت جذوتها مشتعلة في صدره. لم يكن غاضبًا، ولا ناقمًا، بل كان مكلومًا، كسيرًا، يكرّر جملة واحدة فقط: “أنا لا أطلب شيئًا، فقط أريد أن أعرف الحقيقة. ما الذي حصل لزوجتي؟”.
زوجته وهي “ل. ب.”، تلك المرأة التي دخلت مستشفى – اسمه يُختَصَر بثلاثة أحرف – مشهورًا في بيروت، تمشي على قدميها، وخرجت بعد أيام على نقالة لا نبض فيها. لم تكن في خطر، ولم يكن مرضها قاتلًا. قبل فترة، خضعت لقسطرة شريانية (ميل)، وطمأنها الطبيب وهو “و. ش.”، أن الأمور على ما يُرام، وأن هناك شريانًا سيُتعامَل معه لاحقًا. لكنّ الثلاثاء الماضي – منذ أيام – حمل المفاجأة الأخيرة: دخلت المستشفى تستعد لإجراء عملية بسيطة، لكنها لم تخرج بعدها.
كل من حضر جنازتها صُدِم، ليس فقط من الوفاة، بل من الغموض الذي لفّها، ومن صمتٍ يشبه التجاهل. الطبيب لا يردّ، المستشفى لا يوضح، والأسرة لا تملك سوى الحزن والذهول. لم تُقدّم لهم تفاصيل عن مسار العلاج، ما من تقرير يشرح كيف تطوّرت الحالة، ولا إفادة طبية تُبرّر ما حصل. فقط، صمت.
وهنا، تصبح الكلمات واجبة، ويصير السكوت إثمًا.
يتابع الرجل: “نحن نؤمن بقضاء الله وقدره، ونُسلّم بأن الموت نهاية محتومة. لكنّ الله سبحانه أمرنا بالعدل، وجعل إماطة الغموض عن وجوه الحق فريضة. أن تموت امرأة في غرفة مستشفى، كان يفترض أن يُعيد إليها العافية، من دون تفسير، من دون اعتذار، من دون شرح ما حصل، فهذا ليس إلّا من التواطؤ على كتم الحقيقة”.
هذا النداء لا يُرفع من أجل المال، ولا للثأر، بل من أجل حقّ إنسان يريد أن يعرف لماذا فقد من يحب، ولأجل الفقيد نفسه. لأن العدالة لا تُبنى إلا على الوضوح، ولأن الكرامة تقتضي أن نُحاسب من قصّر، أو في الأقل أن نُجبر من يعلم على أن يتكلم.
الزوج المفجوع لم يتّهم أحدًا بعد، لكنه قال بوضوح: “إذا لم أجد جوابًا، فسأضطر إلى ذكر اسم المستشفى، والطبيب، وسأشهّر بالإدارة أمام الناس والقانون، وسأوصل الأمر إلى أعلى المستويات. لن أقبل أن تمرّ وفاة زوجتي كأنها لم تكن”.
هذه ليست قضية خاصة، بل جرس إنذار. كم من مريض دخل مطمئنًّا، وخرج ميتًا في ظل غياب الشفافية؟! كم من أهل دفنوا موتاهم من دون أن يُقال لهم ما حصل؟!
نحن نطالب إدارة هذا المستشفى، بكل مسؤولية، أن تخرج عن صمتها، أن تصدر بيانًا، أن تفتح تحقيقًا، وأن تُعيد لهذا الرجل حقه في المعرفة. فالحقيقة لا تُعيد الأحباب، لكنها تمنح الروح بعض سلامها.
فلنحترم الموت.. بأن نقول الحقائق كما هي.