تربية وثقافة

لاتينيون من أصول عربية.. داعية سلفادوري يشَيّد 3 مساجد من ماله الخاص.. “الجزء 3”.

عبد الناصر طه/ فنزويلا

خاص”المدارنت”..

أرماندو بوكيلي

هو “أرماندو بوكيلي”، حائز على شهادة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة السلفادور، وأحدُ أقطاب الإعلام السلفادوري، امتلك القناة الثانية عشرة في التلفزيون، وقدّم من خلالها برنامجه الأسبوعي: “توضيح المفاهيم”، ثم بثّهُ لاحقا على صفحة اليوتيوب؛ وكان ذلك العنوان اسماً لرسالته الجامعية التي نال فيها درجة الإمتياز، ما جعلته، فيما بعد ،أن يكون في عداد مرشحي جائزة نوبل للفيزياء.

كان متعدد المهام والمسؤوليات، من رئاسة التجمع الإسلامي العربي في السلفادور، وعضو المنظمة الإسلامية لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وممثل المسلمين في مجلس الديانات لأجل السلام الذي يضم مندوبي الجماعات الدينية السلفادورية؛ إلى إمام الجالية الإسلامية والناطق باسمها؛ إضافة إلى كونه مؤلفاً ومحاضرا في مادتي التاريخ والأديان.

“دون أرماندو”، أي السيّد، أو “الأب أرماندو”، هكذا كان يطيب للسلفادوريين أن ينادوه واعتبروه رمز الخير والعطاء.

وُلد عام 1946 في السلفادور ،من أبوين فلسطينيين مسيحيين، والده من عائلة بوقيلة المقدسية الأرثوذكسية، ووالدته من عائلة قطان التلحمية الكاثوليكية؛ درس منذ صغره في المدارس الدينية المريمية، ولاقى فيها اضطهادا لم يعرف له تفسيرا، إذْ كان الرهبان المدرّسون ينعتونه بالمسلم عند معاقبته، ما كان يدفعه لسؤال والده من معنى الإسلام، وهو في سنّ الثانية عشرة من عمره؛ وما شكّل لديه هاجساً معرفياً دفعه لقراءة مئات الكتب المتعلقة بالإسلام، وأخرى متعلقة بالأديان الأخرى.

وفي مرحلة تفوقه في دراسته الجامعية، حيث كانت درجاته تصل في معظمها إلى 99%، كانت تتبلور قناعاته الفكرية، ووجد ضالته المنشودة في الدين الاسلامي، فأشهَرَ إسلامه عند بلوغه السابعة والعشرين من عمره؛ وصار فيما بعد، أشهر داعية إسلامي في أميركا الوسطى.

شيّد أرماندو بوكيلي “مسجد النور”، أول مسجد في العاصمة السلفادورية: سان سلفادور، قبل وجود أي شخص مسلم فيها، وجعله مركزا للدعوة، ومقراً دينيا وثقافيا لتعريف شعب السلفادور بالدين الإسلامي.

وما أن اتسعت رقعة الإنتشار الإسلامي، حتى باشر في بناء المسجد الثاني، “مسجد دار إبراهيم”، في العاصمة السلفادورية أيضا؛ وتوالى انضمام السلفادوريين للإسلام، ثم ارتيادهم المساجد، تعبّدا وتثقفا وتكافلا اجتماعيا، كما علمهم “أرماندو”، ما ساعد على بناء مسجد “فلسطين الأرض المقدسة”، في مدينة “سانتا آنا”، حيث يتواجد معظم أبناء الجالية الفلسطينية في السلفادور؛ وحين تم تدشين المسجد بحضور رسمي وشعبي كبير، وحضور ممثلي الديانات المتعددة بمن فيهم اليهودية، خاطبهم “أرماندو” عن فلسطين وقدسيتها، وقضيتها العادلة، وحقوق الشعب الفلسطيني السليبة.

أما عن تبرعه ببناء “مسجد النجدة”، الواقع في منطقة ناهويسالكو “، ذات الأغلبية الفقيرة، من سكان البلاد الأصليين، حيث تفتقد إلى أبسط شروط العيش الكريم من غذاء ومدارس ومستشفيات، فله قصة رواها ابنه “أميرسون بوكيلي”، وفحواها، أن زعيم القبيلة التي تسكن تلك المنطقة زار الوالد “أرماندو” قاصدا المساعدة الضرورية لأبناء المنطقة، فكان جوابه إيجابيا على الفور، ما فاجأ طالب الحاجة، وما دفعه للسؤال عن هدفه السياسي من وراء الاستجابة، بعد أن ذاق الأمرين من المسؤولين الحكوميين، فكان جواب “أرماندو” مفاجئا من جديد، حيث قال: لقد ساعدتكم لأنني مسلم! فدخل الرجل مع قبيلته في الإسلام.

ونظرا لحاجة المسلمين السلفادوريين إلى تعلم أركان الإسلام ومبادئه، ألّف الدكتور أرماندو كتابه الموسوم: ABC Islam؛ “ألف باء الإسلام”، وفيه شرح للعقيدة الإسلامية، وتبيين حقوق وواجبات الإنسان المسلم.

أما عن نشاطه التجاري، فلقد كان صاحب شركات متنوعة المجالات، منها الصناعية والإعلامية والمالية، جعلته في طليعة أثرياء السلفادور؛ وما ميزه أنه استخدم جزءا من ثروته في الأعمال الخيرية والإنسانية، فكان نصير الفقراء والمحتاجين والمستضعفين، يمد يد العون لكل قاصد محتاج، ملتزما بإخراج الزكاة، وتوزيع الصدقات، من دون مقابل؛ على أبناء الجالية الفلسطينية، وعلى أبناء بلده السلفادوريين، في بلد وصل فيه القتل على أيدي العصابات الإجرامية إلى أعلى نسبة في العالم، وحيث عُرفت السلفادور مع جارتيها “هندوراس وغواتيمالا” باسم: مثلث الموت.

وتعتبر جمهورية السلفادور، أصغر دولة في أميركا الوسطى، تبلغ مساحتها 21.040 كلم2، ولا يتجاوز عدد سكانها سبعة ملايين شخص. ويبلغ عدد المسلمين المسجلين رسميا فيها حوالي عشرين ألفا، بينما يقارب عدد أفراد الجالية العربية مائة وخمسين ألفا، تأتي الجالية اللبنانية في المرتبة الأولى، تليها الجالية الفلسطينية.

توفي الدكتور أرماندو بوكيلي عام 2015، فخلفه ابنه “أميرسون بوكيلي”، إماما وموجِّهاً إسلاميا من بعده، وأظهر أنه خير خلف لخير سلف، وما يزال يقود سفينة الدعوة الإسلامية في اميركا الوسطى عموما، وفي بلده السلفادور خصوصا؛ وكان لابنه الآخر “نجيب بوكيلي”، شرف الفوز برئاسة جمهورية السلفادور منذ العام الماضي 2019، بعدما كان يتولى عمدة العاصمة “سان سلفادور”، منذ العام 2015؛ مستفيدا من إرث والده الوطني والإنساني، ومما وفّر له من إمكانات علمية ومادية، وسيرة عابقة بمكارم الأخلاق، أهلته لقيادة دولة السلفادور.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى