لماذا أعلن وقف النار بين «حزب الله» و”إسرائيل”؟
“المدارنت”..
بدأ، صباح أمس، الأربعاء، تنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار بين «حزب الله» و”إسرائيل” وذلك بعد 14 شهرًا من مجريات الصراع الذي تخللته أحداث عسكرية خطيرة، حاولت فيها تل أبيب ضرب الحزب ضربات قاصمة، منفذة خططا استراتيجية استغرق العمل الاستخباري عليها سنوات طوالا.
تضمنت هذه الأحداث عملية اغتيال (السيّد) حسن نصر الله، أمين عام الحزب، في 27 أيلول/ “سبتمبر” الماضي، في غارة ألقت فيها طائرات مقاتلة أمريكية قنابل ثقيلة خارقة للتحصينات، مما أدى الى تدمير 6 مبان كليا، وأدى أيضا إلى استشهاد علي الكركي، قائد الجبهة الجنوبية للتنظيم، ونائب «فيلق القدس» الإيراني العميد عباس نيلفروشان.
سبق ذلك، استهداف الآلاف من عناصر الحزب بعملية استخبارية معقدة، حيث فجّرت أجهزة “البيجر” التي يحملونها، وكذلك أجهزة التواصل اللاسلكي، كما تمكّنت “إسرائيل”، في عمليات متلاحقة، من اغتيال أهم قادة «نخبة الرضوان»، والكثير من قيادات الصف الأول في الحزب، أهمهم وسام طويل، وطالب عبد الله، ومحمد ناصر، وفؤاد شكر، وإبراهيم عقيل، وأحمد وهبي، وإبراهيم قبيسي، ومحمد سرور، وحسن ياسين، و(الشيخ) نبيل قاووق.
كشفت العمليات خططا “إسرائيلية” بعيدة المدى، تتجاوز بكثير أهداف الرد على تدخّل الحزب لمساندة حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وبعد أن كان مسؤولو حكومة (الإرهابي الصهيوني) بنيامين نتنياهو، يتحدثون عن فك جبهة لبنان عن جبهة غزة، وتنفيذ القرار الأممي رقم 1,701، الذي ينصّ على إبعاد الحزب إلى وراء خط نهر الليطاني، وإرجاع مستوطني الشمال (الفلسطيني المحتلّ) إلى مساكنهم، ارتفع سقف الخطط إلى محاولة احتلال جنوب لبنان حتى الليطاني، ونزع سلاح الحزب، وإدخال تعديلات على القرار 1,701، وصولا إلى تغيير تركيبة الحكم في لبنان، وإلحاقه باتفاقات التطبيع، و«إعادة تشكيل الشرق الأوسط»!
بعد مفاجآت “إسرائيل” الكبرى بدأ الحزب يفاجئ حكومة نتنياهو. أول هذه المفاجآت أن الغارات “الإسرائيلية” الهائلة لم تستطع القضاء بشكل مبرم على بنيته التحتية وقدراته الصاروخية، وأنه استطاع إعادة بناء قيادة جديدة نجحت في تسديد ضربات مهمة للعمليات البرية “الإسرائيلية”، وترافق هذا مع نجاح الحزب في تنفيذ هجمات مهمة بمئات الصواريخ والمسيّرات على مقرات، بينها وزارة الدفاع ووحدة الاستخبارات العسكرية وقواعد عسكرية ومستوطنات، كان أكثرها إثارة هجوم في 19 تشرين أول/أكتوبر الماضي طاول منزل نتنياهو في قيسارية.
تعرّض اللبنانيون خلال هذه الحرب لخسائر كبيرة تجاوزت، حسب بعض الأرقام، 3,800 شهيد، وقرابة 16 ألف جريح، وتعرض الجنوب لدمار هائل، قدّرت نفقات إعادة إعماره بأربعة مليارات دولار، لكن الحزب نجح، رغم التفوق الناري والاستخباري لـ”إسرائيل”، في جعل منطقة الجليل («شمال إسرائيل») منطقة مهددة وغير مستقرة أمنيا، وفي إفراغ قرابة 30 مستوطنة من سكانها، وتعريض كافة منشآتها العسكرية للقصف، وبينها مقر الاستخبارات الرئيسي للمنطقة، ومقر لواء غولاني.
كما أدت المعارك الطويلة إلى سقوط مبدأ «الحرب الخاطفة» الذي كان عنصر تفوّق “إسرائيل” منذ إنشائها، كما فقدت “إسرائيل” قرابة 100 ضابط وجندي وإصابة 900، وتم تدمير عشرات الدبابات والمركبات.
أدّت النتائج المذكورة، على طرفي الحدود، إلى سعي لبنان الرسمي والحزب، وأطراف عربية وإقليمية وعالمية، إلى وقف إطلاق نار، كما أنها أسهمت في دفع حكومة نتنياهو، بما فيها بعض وزرائها الأكثر تشددا وتطرفا، إلى الهبوط بسقف توقعاتها القصوى السابقة إلى الصيغة التي تم اعتمادها في الاتفاق.
الأغلب أن جهات عديدة نافذة أسهمت، كلّ لأسبابه الخاصة، في الوصول إلى الصيغة المعتمدة، ومنها إيران، التي تتحضر لاستيعاب الاحتمالات التي يمكن أن يفتحها حكم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وفرنسا، التي عادت، بعد محاولة “إسرائيلية” لوضع «فيتو» عليها، للتأكيد على دورها التاريخي القديم في لبنان، ويبدو أنها اضطرّت، في سبيل ذلك، لإعلان «حصانة» نتنياهو من الاعتقال على أراضيها، بعد صدور مذكرة اعتقال المحكمة الجنائية الدولية ضده.