لماذا استأنف نتنياهو حرب الإبادة؟
“المدارنت”..
قدّمت وسائل الإعلام في العالم تحليلات مختلفة، لأسباب قيام القيادتين السياسية والعسكرية في “إسرائيل”، بارتكاب «مجازر السحور» التي حصدت أكثر من ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، أول أمس، الثلاثاء، معلنة بهذه الطريقة المروّعة إنهاء «وقف إطلاق النار» مع حركة «حماس».
وصفت إحدى الصحف الإسرائيلية ما حصل على الشكل التالي: «مهاجمة مئات الأهداف التي تعكس قدرات حماس السياسية والمدنية وليس العسكرية فحسب» وإطلاق «النار المكثفة من المدفعية في اتجاه شمال القطاع لترحيل السكان مرة أخرى نحو الجنوب». «المساعدات توقفت. أغلقنا معبر رفح، والشاحنات لا تدخل».
الهدف حسب الصحيفة، «أن قوة الهجمات وحجم القتلى الفلسطينيين والمدة الزمنية التي تكون فيها المعابر مغلقة ـ بإسناد أمريكي ـ ستقنع حماس بألا تنتظر ما هو أفضل»!
ما تريد هذه الفظاعة البلاغية أن تقوله، بشكل غير مباشر، أن إسرائيل قررت استخدام القتل الجماعي (سمّاها «قدرات حماس المدنية») والتجويع، والتهجير، ضد الفلسطينيين في غزة، وأن ذلك يتمّ بمباركة أمريكية.
أما الحديث عن «إقناع حماس» فهو طريقة أخرى لتجاهل حقيقة أن إسرائيل انقلبت على الاتفاق الذي وافقت عليه الحركة لأن بنيامين نتنياهو، لا يرغب في الوفاء بالشروط التي تعهدت بها حكومته قبل شهرين، وهو ما بدأت معالمه تظهر مع رفض انسحاب جيشه من قطاع غزة في الأسابيع الأخيرة للمرحلة الأولى، وخصوصا من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) ووقف دخول الشاحنات.
يتحدث المقال نفسه عن استخدام القيادة الإسرائيلية «المفاجأة والخديعة» والأغلب أن الخديعة بدأت تنسج بعد إعلان موافقة نتنياهو على الاتفاق، تحت ضغوط دونالد ترامب، الذي كان يريد إعلان الهدنة قبل تسلّمه منصبه رئيسا لأمريكا.
تبعت ذلك زيارة نتنياهو إلى «البيت الأبيض» ولقاؤه ترامب، وحديث الأخير عن إقامة «ريفييرا» في قطاع غزة، مرورا بتداعيات المفاوضات المباشرة مع «حماس» التي أدت إلى إقالة آدم بوهلر، مبعوث ترامب الخاص بشؤون «الرهائن» التي كانت محاولة لتغليب مصالح أمريكا على مصالح نتنياهو، وهو ما يمكن أن يفسّر عودة ويتكوف إلى سيرة الموفدين الأمريكيين الآخرين في تنفيذ ما تطلبه إسرائيل.
خلال مسار العودة للحرب، تمكّن نتنياهو من تعزيز سلطاته، مع إبعاد رئيس الأركان هرتسي هاليفي، وتعيين إيال زامير، المتعطش لعودة الحرب، بدلا منه، وبدء الإجراءات لعزل المستشارة القضائية للحكومة جالي ميارا، وإقالة مدير «الشاباك» (وكالة الأمن الإسرائيلية) اللذين سينفذان خلال أيام، وإعادة المتطرف إيتمار بن غفير وزيرا للأمن القومي، مما يؤمن له الطاقم الكافي لتمرير ميزانية الحكومة، وهذا يعني أن الإبادة والتجويع والتهجير، التي يتعرّض لها فلسطينيو غزة، هي أثمان «حرب سلامة نتنياهو».
ما نراه أيضا من تصعيد وتوغلات إسرائيلية في سوريا، والإصرار على البقاء في النقاط الخمس المحتلة في جنوب لبنان، والتوتّر المتزايد في اليمن، وتهديدات الحرب ضد إيران، وما يسميه نتنياهو «الحرب على سبع جبهات» تشير إلى عاملين رئيسيين، الأول هو تعزيز سلطات نتنياهو، والثاني هو طبع إسرائيل بطابع اليمين الفاشيّ المتطرّف الذي يعتبر الإبادة، والتطهير العرقي للفلسطينيين، هدفيه الرئيسيين.