مأزق هنية!
“المدارنت”..
في الصباح الباكر، فجر يوم 31/ تموز/ 2024، انفجرت غرفة نوم القائد هنية في العاصمة الإيرانية، حيث كان الرجل يقوم بزيارة رسمية بوصفه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. ولقي مصرعه على الفور، وكذلك مرافقه.
واليوم: 10/ آب / 2024، يكون قد مضى على الحادث أكثر من 11 يوماً، فالسلطات الإيرانية لم تتفق بعد على طبيعة الحادث الذي يحمل احتمالات عديدة:
• أن تكون “إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) هي من اغتالته.
• أن يكون قد اغتيل بأيدي فريق إيراني/ يعمل لصالح الموساد “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) داخل إيران.
• أن تكون إيران الدولة، هي من اغتالته مقابل جائزة، فما هي الجائزة. وهذا الاحتمال الثالث بدأ يطرح نفسه كاحتمال مرجح.
وحتى اليوم لا تقدم السلطات الإيرانية، عرضا ولو مختصراً لظروف الحادث، (وهذا يتسبب في تعدد الاحتمالات) الذي أودى بحياة ضيف بدرجة سيادية عالية، في حادث، ليس من الصعوبة(في علم التحقيق) اكتشاف طبيعة الحدث، أبعاده والجهات المشتركة فيه، وهو عمل سهل لجهات تحقيقية ، حتى ذات مستوى كفاءة بسيط وابتدائي في التحقيق.
وخلال فترة قصيرة يمكن التوصل لمعلومات قاطعة ما إذا كانت المتفجرة قد زرعت تحت سرير المجني عليه، أو من خلال عمل خارجي (من خارج الغرفة). ووزن المادة المتفجرة، ونوع البارود، وجهاز التفجير، وعدم طرح هذه المعلومات الأولية البسيطة، ترجح أن: بات من المؤكد أن السلطات الإيرانية لديها تقرير مفصل عن الحادث وظروفه. وأن هذا التأخير غير المبرر محرج، لإطلاع الرأي العام، وبخاصة الفلسطيني/ العربي، وأن التصريحات من هذه الجهة أو تلك وإطلاق التهديدات بضربات عسكرية مميتة تظهر أن هناك تفاوتا في الرأي والموقف حيال الحدث. وبعد مرور 11 يوماً على وقوعه. والمهم المطلوب هو شرح تام صريح وواقعي لأبعاد الحادث، الرد الحربي هنا غير مهم، بل الصراحة السياسية.
ليس هناك مبرراً واحداً، لأن تعتبر إيران نفسها معنية بالشأن الفلسطيني..! لا قوميا ولا دينياً، ولا بالمصالح الجيوسياسية، بل الأمر كله يدل أن هناك صفقة سياسية، عقدتها حماس مع نظام الملالي يتيح للنظام المعزول، أن يدخل سوق العمل الفلسطيني مقابل دعم الملالي لهم، لـ”حماس”، دعماً يتيح للملالي أن يطرحوا أنفسهم كقوة في الشرق الأوسط، بشرط أن تبتعد حماس عن الوسط العربي، وقد تبين ذلك بوضوح تام أن نظام الملالي يستغل تغلغله في أقطار عربية عديدة بهدف: إلحاق أكبر قدر من التدمير، كما تمكنوا من شق الوحدة الفلسطينية، وما نجم عن ذلك من آثار على مجرى وواقع النضال الفلسطيني. ومقابل هذا تلقت حماس دعماً، ولكنه لم يكن بالحجم المطلوب.
إذن هناك منطق يقود لاحتمالية مرجحة موجعة: وجود صفقة سياسية، وهذا أمر وارد في السياسة ومتوقع، وفي مبدأ الصفقات هناك قاعدة: كل شيئ تم شراؤه، يمكن بيعه..! إيران اقتنعت أن مصلحتها أن تبيع هنية، ولكن مقابل، فهي خسرت الكثير جداً خلال حرب غزة وفي المقدمة المصداقية، واستعادة المصداقية (credibility) ليس بالهين، وتريد تعويضاً مناسباً ما لم يكن مكافئاً.
الأمريكان والصهاينة اعتبروا أن شعبية حماس قد تراجعت لدرجة يستبعد أن يكون لهم دور قيادي حاسم، وأن هنية قد يكون بشخصه عنصرا يجمع الفلسطينيون عليه، لذلك فإن إزاحته من المشهد هو أمر مستحسن ومطلوب، وعقدوا صفقة مع الملالي، مفادها: حماس إنتهى وهجها، وثقتهم بنظامكم (نظام الملالي) وبالتالي، التحالف معكم، قد ضعف لدرجة كبيرة جداً بموقفكم المتفرج حيال حرب غزة، المطلوب الآن هو أبعاد هنية، الذي يسهل نشوء موقف جديد يمكن التعامل معه. والامريكان وعدوا الملالي : تلميحاً أو تصريحاً، أن لكم جائزة إذا ساهمتم بإبعاد هنية عن المشهد، وافقت قيادة الملالي، والباقي هو من اختصاص رجال المخابرات، الذين لم يتقنوا (مخابرات الملالي) فيما يبدو عقد الصفقة التي ربحها الموساد والأمريكان.
الآن ماذا بوسع الملالي أن يفعلوا..؟ بالتأكيد ليس بالشيئ الكثير، فهم يعانون مرارة أنهم قاموا بفعل أقل ما يوصف أنه غير أخلاقي، ولكن الاخلاق لا علاقة لها بالصفقات السياسية، الأمريكان الذي لهم صلاتهم اليومية مع الملالي، بوفود سرية وبعلاقات عبر وسائل متعددة، ينصحون الملالي: الآن هنية قد مات، وغضبكم سوف لن يعيده، ولا يصلح الموقف بل يزيده سوءاً، بالإمكان إجراء مناورات تشبه الحقيقة بنسبة 99% وهذه ستنقذ ما يمكن إنقاذه من ماء الوجه، الغير مهم كثيراً، ولكنه سيبقي تحالفنا الثلاثي: أميركا إيران “إسرائيل”، إحذروا، الغضب لن يمثل ولا ينتج شيئاً مهماً.
الملالي يحكون رؤوسهم منذ 11 يوماً، ولربما ل 11 يوماً أخرى، ليتوصلوا لحل للمعادلة الشطرنجية المعقدة، الاخلاق والشرف هذه معطيات مهمة جداً في الشرق، قد يعطيهم الصهاينة إحداثيات لمواقع متفرقة في فلسطين المحتلة ليقصفوها بصواريخهم الغبية ويقتلوا عددا من العصافير، وكان الله يحب المحسنين …