مدير أوقاف الخليل: نتوقع تصعيدًا بسبب المساعي “الإسرائيلية” للسيطرة على كامل “الحرم الإبراهيمي”!
“المدارنت”..
يُذكّر نشطاء فلسطينيون أن “هبة باب الرحمة” حدثت بعد أن وضع الاحتلال قفلاً على البوابة الحديدية لمصلى باب الرحمة في المسجد الأقصى المبارك عام 2019، حيث تمكن الفلسطينيون حينها من كسر القفل والدخول إلى المصلى وفتحه بتاريخ 22/2/2019، وذلك بعد أيام من الحشد والتظاهرات ومواجهة مخططات الاحتلال وأطماعه، وهو ما استمر حتى تمكنوا من إعادته إلى ما كان عليه قبل عام 2003.
وفي السياق ذاته، يتساءل نشطاء: “لماذا الفلسطينيون، وعلى رأسهم أهل الخليل، صامتون عن وضع الاحتلال أقفالًا حديدية على كافة أبواب غرف الحرم الإبراهيمي، وعلى غرفة مقام سيدنا يوسف عليه السلام، وغرفة المؤذن في الحرم، وإبعاد مدير الأوقاف في الحرم الشيخ معتز أبو سنينة عن الحرم؟”.
تتضاعف الأسئلة هنا: “ماذا بعد السكوت عن إغلاق الغرف في الحرم؟ مصادرتها والاستيلاء عليها وجعلها للمستوطنين؟ وماذا بعد هذه الغرف؟ كل الحرم؟ وماذا بعد إبعاد مديره قبل أيام؟ “.
ولا يتوانى الشيخ جمال أبو عرام، مدير عام مديرية أوقاف الخليل، عن التحذير من أن هذه السياسة الإسرائيلية الجديدة، والتي تتجاوز قرارات الاحتلال كلها، “قد تصل إلى وضع اليد على الحرم الإبراهيمي كاملًا”.
ويضيف أبو عرام في حديث مع “القدس العربي”: في ظل وجود احتلال يسعى للسيطرة، فإنه من المتوقع أن يكون هناك تصعيد جديد يتجاوز ما قام به سابقًا، وصولًا إلى الهيمنة الكاملة والسيطرة على كامل مساحة الحرم الإبراهيمي”.
المخاوف أصبحت حقيقية وتدعمها إجراءات احتلالية على الأرض استمرت طوال شهر رمضان، وتراكمت الممارسات عليها ما بعد الشهر الفضيل.
وقبل أيام، قالت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي وضعت أقفالًا على جميع أبواب غرف الحرم الإبراهيمي؛ كباب مقام سيدنا يوسف عليه السلام، وباب غرفة “المبخرة”، وباب غرفة الأذان، وباب غرفة السدنة في القسم المغتصب.
واعتبرت الأوقاف ما قام به الاحتلال خطوة خطيرة تهدف إلى المس بشكل واضح بسيادة الوزارة على الحرم الإبراهيمي الشريف بأروقته وساحاته وغرفه، والأبواب الداخلية والخارجية فيه.
أضافت أن هذا أمر يقتضي “وقفة جدية من المجتمع الدولي تضع هذا الاحتلال الظالم أمام مسؤولياته بحماية الأماكن الدينية، وعدم الاعتداء عليها، وليس محاولة السيطرة عليها وسرقتها، خاصة في ظل اعتداءاته التي تهدف تدريجيًا، وبشكل ممنهج، لتحويل الحرم إلى كنيس يهودي تُمارَس فيه صلواتهم التلمودية”.
يعود الشيخ أبو عرام إلى المجزرة التي ارتُكبت في الحرم الإبراهيمي، والتي نفذها باروخ غولدشتاين، وهو طبيب عسكري يهودي، فجر يوم الجمعة 25 شباط / فبراير 1994. ويشدد على أن المخطط واضح وبدأت خيوطه منذ ذلك التاريخ، حيث قُسم الحرم بعدها زمانيًا ومكانيًا.
وشدد أبو عرام على أن الاحتلال تنكّر لقرارات “لجنة شمغار” الإسرائيلية، التي خرجت بقرارات هزيلة تدين الضحية، وبعد إغلاق البلدة القديمة في الخليل لأكثر من ستة أشهر، تم تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين يسيطر اليهود فيه على القسم الأكبر، فيما يُخصص جزء منه للمسلمين، ويستخدم المستوطنون المسجد بكامله خلال الأعياد الصهيونية، ولا يُسمح فيها برفع الأذان في الحرم أو دخول المصلين المسلمين.
وكان المستوطن قد أطلق النار على المصلين المسلمين في المسجد الإبراهيمي أثناء أدائهم الصلاة فجر يوم جمعة في شهر رمضان، وقد استُشهد 29 مصلِّيًا، وجُرح 150 آخرون، قبل أن ينقض عليه مصلون آخرون ويقتلوه.
وتابع: “لقد طوّر الاحتلال حالة الاستهداف، حيث امتدت إلى باقي الأجزاء (يسيطر الاحتلال على 67 في المئة من مساحة الحرم)، وهو بذلك يخالف قراراته عبر كامل السياسات التي تحاول منع تسليم الحرم، وتغيير المعالم، وبناء المصعد، ومحاولة بناء قبة داخل صحن الحرم”.
ووصف أبو عرام الحرم بمثابة بوابة المسلمين، وقلب الخليل، الذي يجب أن يستمر بالنبض والحياة. ورأى أن هذا المكان يحتل المرتبة الرابعة في قائمة مساجد المسلمين (بعد المسجد الحرام والنبوي والأقصى).
وحول طرق المواجهة في ظل تصاعد التهديدات الاحتلالية، شدد على أن المكان مقدس، وهو مخصص للصلاة، ولا يجب أن يكون ساحة للعنف والصراع أو للتشويش.
وأبدى مخاوفه من أن أي فعل تصعيدي في المكان قد يقود إلى حالة أصعب مما هو عليه اليوم.
ورأى أن الجهود الشعبية يجب أن تنحصر في الصلاة والوجود، إلى جانب المتابعة القانونية، وقال إن سلاح القانون هو السلاح الذي يمكن الفلسطينيين من كشف ادعاءات الاحتلال وفضحه أمام الجهات الدولية.
وردًّا على إغلاق الاحتلال لأبواب مقامات الأنبياء في الحرم، شدد مدير الحرم الإبراهيمي الشيخ معتز أبو سنينة على أن جميع المقامات والأروقة في الحرم تعود ملكية مفاتيحها للأوقاف الإسلامية، وهي صاحبة السيادة والولاية القانونية عليها، وهذا يُعد اعتداءً سافرًا خطيرًا على قدسية هذه الأماكن، التي لا يجوز بأي حق، ولا بأي شكل، المساس بها.
ودان وزير الثقافة، رئيس لجنة إعمار الخليل، عماد حمدان، إغلاق الأبواب، ووصف ما حدث بـ”الجريمة الجديدة”.
وقال حمدان: “هذا الفعل العدواني يُعد انتهاكًا صارخًا للقوانين والمواثيق الدولية التي تحمي أماكن العبادة والمقدسات الدينية، وهو أيضًا اعتداء سافر على هوية شعبنا وحقوقه التاريخية والدينية، واستفزاز لمشاعر المسلمين في فلسطين والعالم أجمع”.
وكانت سلطات الاحتلال قد استدعت مدير الحرم الإبراهيمي، الشيخ معتز أبو سنينة، للتحقيق معه، وتم اعتقال موظف، وإبعاد الموظف رائد الشرباتي عن الحرم لمدة 14 يومًا.
وحسب ما أعلن وزير الأوقاف والشؤون الدينية، الشيخ محمد مصطفى نجم، فإن الحكومة باشرت بحراك قانوني لإبطال إجراءات الاحتلال وانتهاكاته بحق أماكن العبادة، وآخرها في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
وأظهرت أرقام رسمية فلسطينية أن انتهاكات الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بحق المقدسات وأماكن العبادة فاقت بكثير ما رُصد من انتهاكات في الفترة ما بين عامي 1994–2023.
وخلال العام الماضي، رفضت السلطة مطالب الاحتلال الإسرائيلي بسقف صحن الحرم الإبراهيمي، وذلك لإضراره بالمكانة التاريخية والتراثية له، ولتعدّيه على الصلاحيات التي تمتلكها بشكل حصري وزارة الأوقاف.
وأشار وزير الأوقاف إلى أن المكان الذي كان الاحتلال ينوي سقفه في الحرم هو المتنفَّس الوحيد للحرم حين اكتظاظ المصلين المسلمين.