مفاوضات تحت النار!
“المدارنت”..
بين القاهرة والدوحة، تجري مفاوضات منذ تسعة شهور، بمشاركة مفاوضين من مصر، وقطر، والولايات المتحدة، تخللتها هدنة قصيرة (في قطاع غزة) جرى خلالها تبادل بعض الأسرى، والمخطوفين، لكنها لم تتوصل حتى الآن إلى تحقيق الهدف المعلن، وهو وقف إطلاق نار دائم في إطار صفقة شاملة تضع حداً لنزيف الدم، والدمار، في قطاع غزة.
رحلة المفاوضات الطويلة استؤنفت أخيراً، على أساس المبادئ المعدّلة لخطة الرئيس الأمريكي (جو) بايدن، وهي كالعادة تتنقل بين العاصمتين العربيّتين، وبمشاركة أمريكية، لعلها تصل إلى هدفها النهائي.
وعلى الرغم من المؤشرات الإيجابية التي تحدث عنها المفاوضون ب«إحراز تقدم» في القضايا المتعلقة بالصفقة، إلا أن جَسر الهوّة بين القضايا المتفق عليها والقضايا المختلف عليها، يحتاج إلى وقت، وقبل ذلك، يحتاج إلى قناعة بأن رئيس الوزراء “الإسرائيلي”، (الإرهابي الصهيوني) بنيامين نتنياهو، يريد فعلاً التوصل إلى اتفاق، والتراجع عن شروطه المستحيلة بـ«النصر المطلق»، ومواصلة الحرب، وعدم الانسحاب من غزة.
وقد ثبت في مراحل سابقة من المفاوضات أنه عندما يتم التوصل إلى صيغة اتفاق يبرز الدور الحقيقي لنتنياهو، وفريقه المتطرف، في الإصرار على القتال، والسعي للتفاوض تحت النار، وخلق تبريرات بشأن الانتقال من مرحلة إلى أخرى، من خلال مواصلة عملية القتل، والتدمير، والتهجير، واجتياح معبر رفح، وممر فيلاديلفيا، ومعاودة القتال في مناطق بشمال القطاع، ووسطه، سبق أن أعلن الجيش “الإسرائيلي” «تنظيفها».
وفيما كرر نتنياهو، يوم، أمس، شروطه القديمة، وأضاف إليها شرط «الاحتفاظ بالسيطرة على المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة (ممرّ فيلادلفيا) لمنع تهريب الأسلحة»، إلا أن الرئيس الأمريكي بايدن، أعلن عزمه على تحقيق وقف إطلاق النار، لكنه اعترف بوجود «قضايا صعبة ومعقدة، ولا تزال هناك ثغرات يجب سدّها»، لكنه قال إننا «نحرز تقدماً في الاتجاه الإيجابي»، مؤكداً «التصميم على إنجاز الاتفاق، ووضع حد لهذه الحرب التي يجب أن تنتهي الآن».
وعلى منوال الرئيس بايدن، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي «هناك تفاصيل يتعيّن الانتهاء منها، وأعتقد أن القضايا المتبقية قابلة للحل».
هذه الأجواء الإيجابية عن قرب التوصل إلى صفقة لا تتناسب مع مواقف نتنياهو الذي يتخذ من الحرب وسيلة لإنقاذ نفسه داخلياً، ويسعى لتعظيم إنجازاته الشخصية على حساب دماء الشعب الفلسطيني، وخسائر جنوده، والتخلي عن المخطوفين.
المفاوضات على الورق شيء، والمفاوضات بالنار شيء آخر، لذلك، فإن المفاوضين حول الصفقة لا يملكون إلا الورق، والمبادرات، والمواقف التي تمكّن من تجسير الخلافات، لكن من يدير الحرب هو من يملك السلاح، ويقرر مصيرها، رغم أن السلاح مصدره الولايات المتحدة المشاركة في المفاوضات، وتتحدث عن أجواء إيجابية.
إن ما يشجع نتنياهو على التمسك بشروطه، ويتعمد المماطلة وإطالة أمد الحرب، أن الإدارة الأمريكية لا تزال تزوّده بالسلاح الذي يحتاجه لمواصلة عملية القتل، والتدمير، وهو سيكون خلال أيام ضيفها في الكونغرس بدعوة من الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، كما سيكون ضيف البيت الأبيض، فلماذا «يغامر» بموقف قد ينهي حياته السياسية؟
إذا كانت إدارة بايدن جادة في سعيها لوقف إطلاق نار مستدام، ووضع حد لحرب الإبادة ضد الفلسطينيين، فالقرار بيدها، وتستطيع أن تكبح جماح نتنياهو، وعندها يمكن أن تشيع أجواء إيجابية عن المفاوضات.