مفاوضات تشكيل المنطقة في ذكرى النكبة!
“المدارنت”
اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تكون زيارته العالمية الأولى إلى السعودية، حيث التقى وليّ عهدها محمد بن سلمان، الذي رتّب لاجتماع تاريخي مع الرئيس السوري أحمد الشرع حضره، بنقل مرئي، الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، كما حضر قمة أمريكية ـ خليجية تركّزت على شؤون المنطقة.
بعد الإنجاز الشخصي الذي حقّقه ولي العهد السعودي بجمع ترامب بالشرع، وإعلان الرئيس الأمريكي عزمه رفع العقوبات عن سوريا، انتقل ترامب إلى العاصمة القطرية الدوحة، أمس الأربعاء، والتقى أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي حاول بدوره توظيف قوة قطر الاقتصادية والسياسية في الموضوع الفلسطيني لإنجاز خرق في موضوع المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة، وتحدّثت وسائل إعلام عن عقد اجتماع مغلق في الدوحة ضم الرئيس ترامب والأمير تميم وشاركت فيه، بشكل غير مباشر، حركة «حمـاس».
ستكون العاصمة الإماراتية أبو ظبي المحطة الخليجية الثالثة لترامب، وإضافة إلى ملف الاستثمارات المفتوح في كل هذه الزيارات، فمن الصعب أن تغيب اجتماعات ترامب برئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيّان مجمل القضايا التي طُرحت في الرياض والدوحة، فمثل العاصمتين الآنفتين، تملك أبو ظبيّ أوراقا عديدة في ملفّات اليمن وفلسطين والسودان، كما أبدت بدورها حماسا للنظام الجديد في سوريا، وهي تملك بدورها تأثيرا على إسرائيل، كما في ملفّ الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وقضايا أخرى.
كان الرئيس الأمريكي قد أعلن، قبل وصوله بأيام إلى المنطقة، وقف إطلاق نار مع «أنصار الله» الحوثيين في اليمن، وتبعت ذلك جولة رابعة من المفاوضات مع إيران في العاصمة العُمانية مسقط، وحسب تصريحات الطرفين فإن المفاوضات تتقدّم بينهما، وإذا تكلّل ذلك باتفاق أمريكي ـ إيرانيّ، يتضمّن خفضا لتخصيب اليورانيوم، وربما انكفاء إيرانيا عن اليمن، فإن هذا سيخلق أوضاعا لتهدئة أكبر في مجمل منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر.
تدور، في هذه الأثناء، مفاوضات في إسطنبول التركية بين روسيا وأوكرانيا، وحسب تصريحات ترامب فإنه يمكن أن يسافر إلى هناك أيضا بعد موافقة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وبانتظار موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسواء حصل ذلك أم لم يحصل، فمجمل المعطيات تقول إن المفاوضات ستنتهي باتفاق بين الطرفين ينهي هذه الحرب التي كانت لها تداعيات عالمية.
كرّر ترامب في تصريحاته المشتركة مع زعماء الخليج الحديث عن أولوية الاقتصاد لديه على السياسة، فقال للشيخ تميم مثلا: «أنظر إلى كل تلك المباني أنا كمطور عقاري سأعطيك الدرجة كاملة. مثاليّ»، كما امتدح مشروعات بن سلمان في المملكة، وتلعب رؤية ترامب الاقتصادية هذه دورا كبيرا في تفسير رغبة إدارته في تقليص الحروب (والتراجع عنها حين تصبح مكلفة كما حصل في اليمن) ولجوئه إلى التهديد والوعيد ثم نزوعه إلى المفاوضات («فن الصفقة» كما يسميه) كما حصل مع الصين، وأغلب الدول التي وقفت في وجه حرب التعريفات التي أشعلها.
يتلاقى توجّه القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية الهائلة لأمريكا مع حاجة بلدان الخليج العربي (والعالم) في تحوّل المنطقة إلى سوق هائل مفتوح، كما يتلاقى مع آمال الشعوب العربية التي أنهكتها الحروب الداخلية، كما هو الحال في سوريا واليمن والسودان وليبيا، لكنّ هذا يُعيد تذكير الجميع بالعقبة الكأداء الواقفة في اتجاه هذا التطوّر: إسرائيل.
نعيش، اليوم، الذكرى 77 للنكبة الفلسطينية، في ظل أجواء نكبة كبرى جديدة، مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد أهالي قطاع غزة، ومع تصويت الحكومة الإسرائيلية، للمرة الأولى منذ عام 1967، على تحمل المسؤولية الكاملة عن تسجيل الأراضي في مناطق (ج) من الضفة الغربية، وهو القرار الذي يعتبر ضما فعليا لتلك المنطقة التي تعادل نحو 60 في المئة من أراضي الضفة.
تناقض حكومة إسرائيل اليمينية المتطرّفة، بهذا المعنى، هذا التوجّه لإنهاء الحروب والعمل على تسويات تنهي الإشكاليات الكبرى، ويراهن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، الذي بنى سيرته السياسية على إنهاء مشروع الدولة الفلسطينية، وسياسات شركائه أصحاب سجلات الإجرام والإرهاب، على التطهير العرقيّ للفلسطينيين وتصفية قضيتهم.
العالم، بهذا المعنى، أمام مفارقة كبرى تشكّلها هذه الإبادة المعلنة للشعب الفلسطيني، بسبب حكومة يخوض رئيسها حربا لا تنتهي ليحافظ على ائتلافه الحاكم، وإبعاده عن السجن، وكيفية حل هذه المعادلة ستنعكس على كل العالم وليس على الفلسطينيين فحسب.