مقاربات فكرية بين المنطق واللامنطق.. سبل النجاة/ الجزء (10/10) والأخير/ “الخاتمة”..
“المدارنت”/
يصرّ العدو على تنفيذ أهدافه واصل قاعدتها، ضرورة تدمير عقيدة المسلمين، جرّاء إضعاف وزعزعة يقين أهل السنة الذين يمثلون الأكثرية في حمل لواء العقيدة، كما الأكثر وعيا بابعاده ومعانيه الايمانية، والأعمق عملًا وتطبيقًا للعبادات والمعاملات، إضافة لما يورٍثونه، من علم وتربية، لأبنائهم من فهم وإدراك وتعقل للعقيدة، ثم تحقيق واجب التضحية من أجل تحقق الحق في العدل وفي الإنسانية، ثم توريثه الأجيال القادمة.
وهنا نجد العدو، يتسلل إلى داخل أفكار أبناء الأمة، وإلى داخل مناهجهم التربوية والتعليمية وعلى كافة المستويات الحياتية، داسًا سموم ثقافة الانحلال الخلقي، مما يؤثر سلبا وتخريبا وتفككا في بناء الهرم القيمي الاخلاقي، مما يعكس هدم التكوين الأسري الإجتماعي الذي هو بمثابة الخلية الأولى في تكوين الوطن والامة حضارة وتقدما.
وهكذا فقد قدموا المرأة، وارتقوا بها دورا وحقوقا بمفهوم حوّلها إلى سلعة اجتماعية مستهلكة، حيث أخفقت في التربية والمراقبة والتوجيه، ثم شد أواصر الأسرة تكاملا وتكافلا في الحقوق والواجبات، فعطلوا دور المرأة كام، فسهّل العمل على تخريب العقول، افرادا، واسرة، ومجتمعا، وبذلك فقد نجحوا في خلق فجوة كبرى من العلاقات الحافية وغير المسؤولة، فقتلوا مبدأ برّ الوالدين الذي يمثٍل روحية الرابط الأسري بنصوص قرآنية قطعية، بهدف التفكيك وإبراز الشخصانية الفردية والانانية العدائية لكل جماعات، إلى جانب ذلك فقد وجهوا خدمهم، من زعماء وسلاطين، دينيّون ومدنيون، إلى تقديم وتوظيف جهلة القوم، وضعاف النفوس، في مواقع المسؤولية، بخاصة مِمّن يعتلون المنابر، وأخصّ منهم خطباء يوم الجمعة، مما يؤدي الى نفور عامة المثقفين والمدركين، فيهجرون المساجد، ومعها يهجرون تعاليم العقيدة، والقلة منهم يتوجهون الى تدبر النصوص وفهمها غير آبهين لما حولهم، غير مؤثرين ومتأثرين.
كما أن أولئك المسؤولون لا يولون اهتماما، بل يشاركون بما يحصل من توزيع المساجد على العائلات الأقوى نفوذًا واجرامًا، أو بين الفرق الدينية واحزابها، فنجد هذا مسجد آل فلان، وذاك لآل علّان. أو هذا مسجد فرقة كذا وذاك لحزب أو حركة كذا…
بهذا العمل يتفتت المجتمع وينهار بين صراعات ونزاعات على مستوى القرى والأحياء والزواريب وو… الخ، وتبقى الفئة العاقلة المثقفة، (فرق عملة) معدومة الرأي والعلم الصحيح، وهكذا تضيع القيم وتعم الفوضى وتزدهر النزاعات وتسقط المبادىء.
وهنا نؤكد على أن حقائق وملكات وغايات العقل العربي، إنما مرتبط في صحواته واشراقاته بمنهج بياني قرآني، إذ لا يمكن تصور عملية التعقل والتدبر المنطقي إلا متحدًا وملتحمًا بحياة الإنسان العربي المؤمن، من خلال لسانه العربي المبين، مصحوبا بتنامي فطرته على ما هو خير وإنساني. وعلى هذا الأصل يتبين قدرة العقل العربي في تعقله وتدبره وبيانه، لقوله تعالى:
“إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ”/ سورة يوسف/ (الآية 2).
العقل العربي المتميز بخصائص ترتقي بصاحبها نحو كمال الإدراك الفطري، انطلاقا من تعقل أنفسنا لما تهتدي اليه وعما تضل به، فتأتمر بامر النصّ القطعي وتنتهي عما نهى، وهذا قمة المنطق في تحقق الخير والصلاح. فالقوة العاقلة هي التي توجهنا نحو المدركات اليقينية، وتثبت لدينا الحقائق التي لا تتناقص، أبدا، مع العلم، ولا مع الإيمان اليقيني، ولا مع العدل ولا مع الإنسانية، شرط تحركها، كقوة عاقلة، على محورين متكاملين ومؤثرين في حياة الإنسان، العلمية والعملية على السواء، حيث تكون الخطوة نحو الاستقامة لبناء حضارة إنسانية عالمية. انطلاقا من :
1/ البحث الدائم عن سنن الله في خلقه. يعني ضرورة الاجتهاد اليقيني وتفعيله الايجابي، بعد إطلاق العقل وتحريره من كل جمود موروث وكل تعطيل. ثم جعل التعقل الاجتهادي عملا ناقدا وبديلا عن كل تقليد. وهكذا فالمعاناة الاشد خطرا على حضارة الامة هو التقليد الاعمى، حيث نجد المؤسسات الدينية وبكليتها عالة الامةلانها تابى التنازل عن تشبثها بالتقليد، لذلك نحصد ما أنتجته من عقم فكري على جميع المستويات الحياتية ومنها الفقهية.
2/ البحث الدائم عن العمل الصالح الذي هو ثمرة الإيمان اليقيني. يعني تطبيق الحكمة الإلهية في الخلق، وتسخير ذلك في بناء الفرد الانساني ثم المجتمع المثالي، مرورا بالأسرة كخلية أساسية في تحقيق النمو العمراني والحضاري، على قاعدة تنمية القيم وانعاش الضمير.
لقد بيّن التاريخ أن العرب قد اهتدوا، بالقران العظيم، إلى برهانهم وبيان لسانهم، فامتازوا بقوتها المدركة كملكة فطرية قادرة لأن تظهر المعجزات ، وترتقي بهم نحو صحوة ونهضة قومية مؤمنة، تسمو باصالة حيّة متجددة مجتهدة، ذات وجه حضاري انساني عالمي، وذات قوة عسكرية حرة، تحقق الحق والعدل وكرامة الإنسان. وهذا ما حصل، عندما التحمت الهوية العربية بعقيدة التوحيد، إيمانا لا يزعزعه مالٌ ولا بنون، إلا لقاء وجه ربه، حيث كان الانتصار على أعتى حضارتين عالميتين، آنذاك، المتمثلتين بحضارة الفرس شرقا، وحضارة الروم غربا. واليوم نجد العكس تماما حيث خلص الاعداء إلى تحالفات هدفها الانقضاض على أمة التوحيد، لما أصابها من انقسام وانحلال وتفكك ، وذهب الإيمان اليقيني مع الريح. فبانت خطط التآمر، وانصبت ثقافات التخريب من كل حدب وصوب، تتدخل، تغير، تبدل، تحرف، غايتها صب جام غضبها وثارها، ضمن منهج وفاقي عداءي وتحالف وهمي، من أجل هدم وتشويه ثقافة القرآن العربي، التي غايتها بناء الإنسان حيث يتحقق العدل الإلهي.
وعليه، فنحن كعرب مؤمنين، لدينا ما لدينا، من قدرة الائتلاف الفطرية، بعد تنميتها، ونملك ايضا، العدد والعدة والاستعداد، من أجل استرجاع ما تركناه وتخلينا عنه، من عز وكرامة وسيادة، أصالة وعلما،متقاطعة النصوص القطعية، بصهرها بالهوية القومية، مبادئ ونظريات
كما وعد الله تعالى وامر، حيث يتحقق النصر والاسترجاع، والله لا يخلف الميعاد.
هوية اصيلة حقة، لعقل عربي مؤمن،اختاره الله لحمل رسالته السماوية، ونشر شريعته للعالمين، وهذا الاختيار، ومشيئته الربانية، خير دليل وتميّز لاهليته كعقل، فاعل منفعل، يملك ملكات فطرية قدرة
على تحقيق منهج علمي، لا تحده حدود ولا تقييده مفاهيم ومدركات، وإنه على دراية يقينية بفعل تعقله وتدبره يمكننا الحصول على العلم الصحيح الذي لا لبس فيه. فالواجب يفرض إعادة النظر في كل ما يحمله، ذلك العقل، من عقم الموروث الفكري، ثم إسقاطه على النصوص القرآنية بما يحمله من معان ودلالات، فناخذ المتطابق،ونرمي المتناقض، تطبيقا المنطق واللامنطق.
وهنا يجب التسليم بأن العقل العربي، علمي في برهانه، يقيني في دعوته، اجتماعي في حكمته، وسلمي في غاياته واهدافه.
=================== (إنتهى)