مقاربات فكرية بين المنطق واللامنطق.. صور لحال الأمة/ الجزء (1-10)
خاص “المدارنت”..
تتلاحق الصدمات والنكبات والهزاءم، وتتكالب الثقافات العدوانية لفطرة البشر، والقليل القليل من أبناء الأمة، أمة العرب والاسلام، ممن يخافون الله، ويتّصفون بالقيم والأخلاق، ويعمل على مواجهة وصد تلك الحال، ثم يعمل جادًا كي يؤسّس سبيل الخروج من كهف المعاناة والتبعية، إضافة لحال التخلف والتقهقر الطويل، وما سبب ذلك الحال إلا اؤلئك.
أولئك الدمى المتربعة عروش أنظمة الدول، وما لحقها من مواقع المسؤوليات، المدنية منها والدينية، حيث أنها فرضت على شعوبها خيار الاستسلام والخضوع لما استنبتته من ذلّ التشعب والفرقة والتنازع، جراء م تفرضه تلك التعليمات العدائية المتواترة، في كل لحظة وكل حين، جاعلة كل شيء تحت مجهر المراقبة والتنفيذ، مصحوبة بالتهديد والوعيد لكل خلل أو تقصير. إنها حال واقعنا العربي الإسلامـي، والكل يراقب وينظر بعين الشاهد القلق والمضطرب.
نحن أبناء هذه الأمة، لقد نحروا فينا الكرامة، ونزعوا من صدورنا الضمير، وخنقوا مما حولنا كل ما هو انساني. لقد ماتت الصحوة الفكرية، وجُمدت العقيدة في قوالب جليدية صناعية، وقُتلت روحية انبعاث القادة الرجال، وهذا على كافة المستويات العلمية والعملية، الثقافية والاجتماعية والأخلاقية، مما أدى إلى فقدان علماء العلم، وضياع عقول المفكرين، واضطراب فقهاء الشريعة، على الصعيدين: الديني والمدني، فكُمت افواه الأحرار عن طريق اعلان التهم الجاهزة في محاكمهم المزورة، والتي من مهامها الأولية حمل اؤلاءك إلى خبل المقصلة، وأشدها ظلما وافتراء، تهم العمالة والزندقة، أو الخروج على السلطان.
هذه الحال، أنتجت تفكك اسري واسع، وشاع الانحلال الخلقي، وسادت الآفات الاجتماعية، على كافة المستويات، فلا الدين دين، ولا النظام نظام، ولا القانون قانون، ولا الإنسان انسان. فالكل تجاوز حدود الفطرة الانسانية، والكل ذهب ليحقق مقولة فرعون: انا ربكم الأعلى… مهما علا كعبه أو تدنى، وتحوّل الحق باطلا، وأصبح ضعاف النفوس يملكون زمام الأمور.
كل بشري ،يعلم الحق والحقيقة،كما ويملك قدرة التمايز بين الخير والشر، حتى الأطفال منهم، وهذا حق فطري موجود بالقوة، وما على المسؤول سوى العمل على تنشاتها وتنميتها، (كلكم راع…) وعلى هذا، يقوم بناء الامة، من أسس ومقومات، حيث تُختصر تلك أولا مع بناء الإنسان الفرد، غاية البناء في جعله انسان حر، عادل، شريف، يخاف الله، تطبيقا لنصوص قرآنية قطعية، في الأمر والنهي، إضافة لوقائع التاريخ العربي الإسلامي السليم والصحيح، تجربة وعبرة،
انطلاقا من وعي مدرك، مثالي مجرد، يتدبر آيات الكتاب العظيم عقيدة وتشريعا، قيما وفضائل، على قاعدة لغوية راقية اصيلة، جوهرية الدلالة والبرهان، من خلالها، تتحقق مفاهيم علمية حضارية ، وأيضا عملية إنسانية، متكاملة بأبعادها المتخصصة مع بيان مدى الالتحاق بدرجات التطور العلمي والتكنولوجي العالمي، مع الأخذ بعين الاعتبار مثالية النقد البناء والفعّال مع ضرورة التأني في مراجعة حديثة مجردة، كي تحقق عملية الفرز الفكري، بين المنطق واللامنطق، وتحقق المطابقة فيما بينها. بعد ذلك، إلى سلة المهملات ترمى مخلفات الفكر التقليدي الجامد والمحصن باسوار الأساطير والخيال، ويرمى ايضا كل ما هو لا منطق. وعلى هذه الأسس، بلا شك، تظهر معالم وخصائص الحضارة الإنسانية في صميم وحياة أمتنا العربية الإسلامية. كما ويبين ،ايضا، أن الإيمان لا ينقض العلم، كما العلم لا ينقض الإيمان، فالعقل والنقل يتممان بعضهما البعض ويتكاملان، واحدهما لا ينتقص قيمة الآخر، فتطبيق منهج احدهما دون الآخر، يؤدي بلا شك، إلى ضياع حقيقة العلم، وتناثر جوهر العقيدة، ثو تذهب رياح الحضارة الإنسانية وتتزعزع مقوماتها.
حال أمتنا، حال يأس وإحباط، كل يشرب من مشربه، الخاص والشخصي، دينيا ومدنيا، ضاربا عرض الحائط، كل نظام قيمي أخلاقي وإنساني، متجاوزا حدود ما انزل الله في خلقه، وغير ابه لقواعد العقوبات في الأمر والنهي، جاعلا مما تحققه علاقاته من مصالح خاصة أسلوبا وغاية، هو الحق، غير معترف بما هو حلال أو حرام، ويرى كل ما دون مصالحه يكمن العداء والباطل، من دون الرضوخ إلى منطق الوعي والفهم، ورافضا لكل حوار ونقاش ودليل إقناع، لأنه آخذ في واللامنطق حتى عمق سداد رأيه.
بلا شك، أن هذه الطريق أدت إلى ما نحن فيه وعليه، من تخلف وتشرذم وسلم لكل حرية وإرادة، تاركين الذات العربية الإسلامية غارقة في سباتها العميق، وغافلين عام أنتجته تلك الطريق من اختلال في العقول، وتشويه لأصول العقيدة وجوهرها التشريعي، كما ودفعت إلى أن يتسلم المفسدون الفاسدون زمام الأمر والنهي، فكان ما كان، من هتك للحرمات، ومن نيل للكرامات..
لقد تجمعت مؤثرات ومخططات تآمرية عدوانية، داخليا وخارجيا، بأساليب متواترة غير منقطعة، مولدة أزمة راسخة القواعد تمثلت في أمة فقدت ذاكرتها القومية، بدلالة بيان ظاهرة التدهور المتسارع للمبادىء والشعارات مع هبوط النظريات والقيم القومية الحزبية، واستبدالها بظاهرة ذوات أهل الشخصانية بأثواب التذلل والتنازل والخضوع، فادت إلى ارتفاع أصوات متاكلة، وافكار مريضة هجينة، وبعين الغدر ينظرون إلى أمة مثخنة الجراح، زاحفين خلف نظام عالمي جديد، وبقبضته الحديدية يسيطر على العالم، يعاونه اؤلاءك المزروعين فوق كراسي سلطة بلدانهم، شرقا وغربا، رافعين شعارات كاذبة واهية، من تطوير وتحديث، ومن حرية وديموقراطية، علهم يخفون ما يريدون تنفيذه، من مظالم الاغتصاب، ومن نهب وسلب، ضد شعوبهم، مقابل القليل القليل من المساعدات إلى جانب حماية مناصبهم السلطوية. مما أدى إلى تشتت النفوس البشرية واضطرابها، ثم إلى ضياع فرص التآلف الإنساني والتكافل الحياتي الاجتماعي ،كما وادى، على المستوى الفكري، انعدام توافق العقل مع النقل، فدمروا بذلك، مفاهيم تأخذنا إلى ضرورة اتحاد العقل والنقل، وصهرهما في فكر جديد، متّسع الأبعاد والمفاهيم، يذهب بالإنسان العربي إلى بناء صحوة فكرية سليمة، تقودنا إلى تجديد الوجود لذات يسمو فيها العدل والضمير.
لقد تمثل اصل الهدم وجوهر التخريب مع وجود أولئك الزعماء الجهلة المتسلطين، زعماء المؤسسات، الدينية منها والمدنية، على السواء، المنتشرين والموزعين، على امتداد الوطن العربي، إذ بهم تلاقت الشخصانية والمصالح الخاصة، عابثين مفسدين وجاعلين من أمة العرب، التي ميّزها الله تعالى لتسود العالمي، شعوبا فارغة خرساء، لا تقبل التآلف، ولا التعاضد، كما وحولوها إلى طوائف منعزلة متنازعة، وإلى مذاهب حاقدة متناحرة، نازعين منها ارادة التناصح والعفو والتسامح، ناسفين، مدمرين شريعة ما انزل الله من حدود وفضائل وقيم.
=======================
فساد الحاكم يؤدي إلى فساد المحكوم ، ذلك إذا أخذنا بعين الإعتبار أن كل راع مسؤول عن رعيته ، ولما كان رعاة هذا الزمن بلا مسؤولية فإن المثل ( الثلم الأعوج من الثور الكبير ) ..
لكن ردود الفعل على سلوك الحكام هذا يأتي بأشكال مختلف أقله السلبية بالإنزواء والتهكم كنكات والتخريب لكل ما يساعد على الخروج على قوانين الحاكم ، وأعلاه الثورة على القوانين التي تشكل روابط كرسي الحاكم ، والأخيرة تكون مهمَّةُ قلة قليلة تتشكل كطليعة تدرك كيف تنسف تلك الروابط وتحدث انقلابها الثوري ومن ثم الحضاري .