من وحي “ثورة 23 تموز ـ يوليو”.. بينَ العَصَبيّةِ والإيمان
//خاص المدارنت//… يقولُ الشاعرُ الجاهليُّ:
ومَا أنا إلّا من غُزيّةَ، إن غوَتْ غَوِيتُ، وإن تَرشُدْ غُزيّةُ* أَرشُدِ
فالشاعرُ، إذًا، لا بأسَ في أنْ يَضِلَّ إنْ ضلّت قبيلتُه، وإذا سلكتْ طريقَ الرّشادِ والاستقامةِ فهو سالكٌ الطريقَ عينَه، ويكونُ في ذلكَ قد ساندُ أبناءَ عشيرتِه، سواءٌ أكانوا ظالمينَ أم مظلومينَ.
تلك هي العصبيَّةُ، التي يؤكِّدُ بها المتعصِّبُ شدّةَ ارتباطِه بجماعتِه، حيثُ لا يعودُ يقبلُ الحقَّ أو الحقيقةَ، وإن كانت دامغةً بصحّتِها. ثم إنه يعتدُّ برأيِه، ويَرفضُ أن يناقشَه فيه أحدٌ، فلا حوارَ معَه ولا نقاشَ، ويصيرُ بعدئذٍ، كجلمودِ صخرٍ، من علاماتِه القساوةُ والجمودُ، ومِن سجاياهُ البُغْضُ والعُنفُ.
ولكنْ، لنتفحّصْ مجتمعًا قد سادَ فيه التعصُّبُ، إمّا للأديانِ ومُتفرّعاتِها، وإمّا لانتماءٍ إلى منطقةٍ أو عائلةٍ، أو زاروبٍ، في حيٍّ من أحياءِ مدينتِنا أو قريتِنا؛ لا بدَّ أنّنا سنقرأُ مجتمَعًا منقسِمًا مشاغِبًا، ومتخلّفًا، قد ألغى نفسَه كما ألغى أهلُه أنفسَهم، وعارضَ الأديانَ وما جاءتْ به فرْضًا على العبادِ، وفي هذا الموقفِ يُصبحُ عِبئاً على الإنسانيةِ أيضًا.
أمّا المجتمعُ الذي يركنُ أهلُه إلى الإيمانِ، القائمِ على التّقوى والخضوعِ للتّعاليمِ السّماويةِ، وعلى مخافةِ اللهِ، والعملِ بطاعتِه، فهو المجتمعُ الآمنُ، والصّالحُ، والنّاهضُ، وفيه الإنسانُ المؤمنُ والأمينُ، وهو الموثوقُ والصّادقُ، يحبُّ أهلَه، ويحبُّ الآخرينَ، ويتعلّقُ بمعتقداتِه، ويتركُ الآخرينَ يعتقدونَ، لأنّه اسْتَوى في سلوكِهِ، وجعلَ عملَه كالجَدولِ الرّقراقِ، يَصُبُّ في نَهْرِ الجَماعةِ الواحدةِ والواعدةِ؛ ثم إنّه في ما يفعلُ يقوِّي مجتمعَه، ويحصِّنُه من طَمَعِ الطَّامعينَ، فغالبًا ما يكونُ الضُّعفاءُ فريسةً للأقوياءِ، في زمنٍ تَضيعُ فيه العدالةُ الإنسانيةُ، وتسودُ فيه شريعةُ الغابِ ،حيثُ يتغلّبُ الشرُّ والانقسامُ على الخيرِ والاتّحادِ.
وقد صَدقَ الشاعرُ حينَ قالَ:
إنْ كنتَ في شرٍّ، فتلكَ مَذَّمّةٌ
أو كنتَ في خيرٍ، فَذاكَ مَقامُ
فالشرُّ بلوى، والبلاءُ قاتلٌ
والخيرُ لو تدري ندىً وسلامُ
*غُزَيّة اسمٌ قبيلةِ الشاعر.