نحو مراجعة نقدية علمية!
خاص “المدارنت”..
أمام ما رأيناه من أهوال في العامين الأخيرين، من عملية “طوفان الأقصى”، وامتداداتها وتداعياتها على الشعب الفلسطيني، واغتيال معظم قيادات حركة المقاومة الاسلامية “حماس” في الداخل والخارج، ثم تدمير قطاع غزة المحتل وتشريد معظم المواطنين الفلسطينيين، ولم يكن اغتيال قائد الحركة (يحيى السنوار) إلا إحدى حلقات تلك العملية المستمرة حتى تاريخه.
ثم رافقتها من “حرب الاسناد” التي أشعلتها قوى المحور التابعة لإيران، من “حزب الله” اللبناني إلى حركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) إلى منظمات دينية شيعية عراقية (فصائل متعددة)، إلى بعض التشكيلات الصغيرة المؤيدة في سوريا، ذات التأثير المحدود، في وقت كان النظام السوري ينأى بنفسه عما يجري، استجابة لنصائح أصدقائه الروس.
تلك الجبهة كان عمادها “حزب الله” الذي فوجيء- كما فوجيء العالم كله- بكمائن “اسرائيلية” محكمة التنفيذ، بدءا من تفجيرات أجهزة البيجر التي كان يقوم عليها نظام اتصالاته وإصابة الآلاف من عناصره وقياداته، ثم قيام العدو “الاسرائيلي” على أثرها بضربات جوية خاطفة ومدمرة استطاع من خلالها اغتيال معظم قيادات الصف الأول للحزب، وتدمير معظم مقراته ومكاتبه، وصولا الى استهداف البيئة الحاضنة جنوبا وبقاعا وضاحية في لبنان، وقيادات ومسؤولين في سوريا، ناهيك عن اغتيالات وقصف في إيران، لعل أبرز شخصياته كان (اسماعيل هنية) رئيس حركة “حماس”.
وما ان نجحت مفاوضات إقليمية وعالمية في اقرار وقف اطلاق النار في لبنان، بإيقاف جبهة الإسناد، بعيدا عن التوصل إلى أي اتفاق ينهي الحرب التدميرية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، حتى فوجيء العالم مرة أخرى بحدث كالزلزال، حين توحدت فصائل المعارضة السورية تحت قيادة “هيئة تحرير الشام”، متحركة من ادلب باتجاه مدن “حلب” و” حماه” و”حمص” لتصل إلى العاصمة “دمشق” من دون مقاومة تذكر وتسقط نظام آل الأسد الذي حكم سوريا بالحديد والنار أكثر من خمسين عاما.
تغيرات دراماتيكية حصلت في بلادنا العربية أيضاً، وأخرى عالمية لعل أهمها الحرب الروسية/ الأوكرانية، وفوز الرئيس الأميركي الجمهوري (دونالد ترامب) في انتخابات الرئاسة الاميركية، ما ستكون له تبعاته الخطيرة على دول العالم، وعلى الدول العربية بشكل خاص؛ في زمن تشتد أخطاره على الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، حيث يرزح المواطن العربي تحت أثقال الحروب في أماكن معينة، وما ينجم عنها من قتل وتشريد ونزوح، وأثقال الأنظمة الفردية- من ملوك ورؤساء- القائمة على مصالح الحاكم وحاشيته وزبانيته، أو الحاكم المحاط برؤساء أحزاب وحركات وتنظيمات ليسوا سوى لصوص يرفعون شعارات إسلامية يرهبون ويرغبون الناس بها، وجلهم ممن اشترى شهادات جامعية من لصوص آخرين في دول مجاورة.(المراجعات النقدية المطلولة).
ألا يدعونا ذلك إلى التبصّر؟ ثم إلى مراجعة نقدية علمية بعيدة عن مزيج الغرائز القبلية العشائرية الطائفية المذهبية، قريبةٍ من تغليب مصلحة المواطن العربي على مزيج مصالح العابثين بأمنه واقتصاده!
المراجعة المطلوبة لا تقتصر على الأفراد بل تتعداها إلى الجماعات والحركات الاجتماعية والسياسية، وما كان يسمى أحزابا عقائدية، في خطوات تترجم أعمالا تخدم عامة الشعب وتعمل على تقديس الحرية الانسانية واحترام الحياة، وتؤمن له أدوات الأمن والأمان . وهنا نسأل: كيف يكون ذلك ؟هنا يبرز دور أهل الاختصاص ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
هذه المراجعة النقدية العلمية هي السبيل إلى إعادة تركيب المجتمع الذي تصدع عبر قرون، وإزالة قوالب الجهل والتخلف التي لازمته إبان الحقب المظلمة والظالمة، تمهيدا لنقله حضاريا من فكرة المبايعة الى فكرة المشاركة.
إذاً، على القوى الحية في المجتمع العربي عامة، وفي بلادالشام على وجه الخصوص أن يتلقفوا الفرصة التاريخية ليخيطوا للوطنية أثوابا جديدة غير ملطخة بالإجرام والفساد، ولا يتأتى ذلك إلّا بالعمل الجبهوي المنظم، بعيدا عن القوالب الفكرية أو التنظيمية الجامدة؛ عنيت بالعمل الجبهوي عملا منظماً يضم أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير والتطوير الحضاري والانساني على قاعدة: (الدين لله والوطن للجميع)؛ لأن حزبا واحدا أو تنظيما واحدا أو تيارا واحدا لا يستطيع أن يكون ذا تأثير في إصلاح مجتمعات نخرها سوس القبيلة والطائفة والمذهب.
وعنيت أيضاً، مفكري ومنظري الاحزاب اليسارية والقومية والعلمانية، لأنهم ما زالوا أسرى الماضي الذي توقفت محركاته الفكرية عن العمل، علما أن بعض الناشطين منهم سقطوا ضحية إجرام الحاكم، بينما سقط بعضهم الآخر ضحية جهل الحركات الدينية التكفيرية.