تربية وثقافة

نهج عملي لصحوة أبدية.. الجزء “3”

أديب الحاج عمر/ لبنان

خاص “المدارنت”..

تقاطع الأصول بين النظريات التربوية والشريعة.

لما كان المسار الاستراتيجي لصحوة العرب، انما يتمثل بالتطبيق العملي للمنهج القرآني كمحور أساسي في المناهج التعليمية والتربوية، إلى جانب التركيز البالغ الأهمية على اللغة العربية الفصحى، اتقانا وتعريبا، فكان لزوما توضيح فكرة دور التربية، كمفهوم، داخل المناهج التعليمية وفعالية تقطعها مع التشريع الإسلامي، في بناء شخصية الفرد ونمو ذاتيٌته، ثم تحقيق استقامتها العملية والسلوكية، كنتيجة سليمة العلمية التعليم النظري. وعليه، فمن الطبيعي أن يتبادر لاذهاننا، مكانا وزمانا، مؤسسة المدرسة، عند الحديث عن التربية والتعليم، لأن المدرسة هي المركز وهي المحور، إذ منها وعنها تتشعب وسائل نسج العملية التربوية، بقصد أو غير قصد، فالمدرسة على كبير من الاهمية، ولكنها ليست المصدر الوحيد، الذي تتاقلم وتتربى وتنمو فيه الافراد، فهناك الأسرة، اي المنزل، حيث الأثر الاهم، حيث الصبغة الأقوى والاعمق والدائم والارسخ، اضف لهذين المركزين المؤثرين والاثبت تأثيرا وتوجيها، نذكر: الأماكن الدينية، معاشرة الاصدقاء، زمالة الحياة المهنية، اضف اي مشاركة عملية تتطلبها الحياة الإنسانية، كل ذلك يحتل اهتماما واسعا بتوجيه النمو الإنساني للفرد، فكرا، ووجدانا، وسلوك. كما ننوه إلى أن الفرد، كإنسان، بحد ذاته، يعتبر وسيلة تعليمية تربوية، وعلى كبير من الاهمية، انطلاقا من كونه عاكس لمؤثرات خارجية، يكون قد اكتسبها وأدرك مكنونها، وهذا الأمر مرتبط بما يملكه من قدرات داخلية خاصة، تمكنه من التوجه الذاتي وعلى الاستنتاج السوي.

أن العملية التربوية ما هي إلا تعبير عن دلالات علائقي، وأنه خاضع لموازين القوى التي تحدده، على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، كما أنه يتغير وفق المتغيرات الطارئة على الفكر، يعني أنه متطور طبقا لتطور الظروف والأحداث الاجتماعية. إذن فالعملية التربوية هي مجموعة علائق اجتماعية متحركة ضمن انعكاسات ظرفية، محورها الحياة المعاشة داخل الواقع، داخل البيئة التي ينتمي إليها، يعني أن العملية التربوية هي مسرح الصراع لواقع متناقض، متحرك متغير، محددة غايتها القصوى بصياغة النفس الإنسانية وطبعها، بما فُطرت عليه، على الخير والحق والجمال والكمال، من أجل تحقيق مجتمع أفضل.

هذا ما اجمع عليه علماء وفلاسفة اليونان، أما إجماع علماء العرب والمسلمين وحكماءهم، فمختصر أقوالهم: بأنها: مفتاح السعادة الأبدية. وهكذا فغاية العملية التربوية تجمع بين الشرق والغرب، كهدف للتلاقي، منبعه بناء الإنسان الصالح، إذ مع هذا البناء الصعب والاصعب، يسهل وتذلل العقبات،أمام بناء المكونات الاجتماعية، من أسرة، ووطن، وأمة، ومع هذا الاستمرار، العملي البنائي الوظيفي، تستمر اليقظة الوجدانية ويستمر بريق الفكر بتطوره وصحوته.

مما تقدم نخلص إلى أن مصطلح التربية لهو دليل على مفهوم فكري ناضج راشد، لشبكة من الخيوط اللامتناهية، وظيفتها نسج كيان الإنسان الفرد، نسجا دقيقا محكما، في كل مناحي الحياة العامة لفرديته الاجتماعية، الجسدية منها والوجدانية والفكرية والاجتماعية والأخلاقية والروحية، أي أنها مادة صنع السلوك السوي، والتصرف الأخلاقي والفكر المنتج .

بهذا الاستنتاج الناضج الواعي، يخلص الفكر إلى نقطة محورية، تجمع وتوحد بين قوامة التربية، في المناهج التعليمية، وبين مبادئ وأصول التشريع الإسلامي، التي تعتبر الفصل فيما يتفرع عنها من مبادئ وقيم، انطلاقا من أن الإسلام دين كلي شامل، أعظم ما يهدف إليه: هو حمل الإنسان الفرد وتوجيهه، نحو الانتظام ونحو الخير العام. وعليه فالقرآن العظيم والاسوة الحسنة، لهي الثروة العظمى لاستنبات الأصول التي ترفع من شأن العلم والتعليم والعلماء، كما وتدعو إلى وجوب أعمال الفكر والعقل واتباع الحكمة، والسعي وراء الحقيقة.

لقد وازى الإسلام وساوى بين العملية التربوية والتعليمية وبين ركن الجهاد، كما بيٌن الأهمية القصوى لإبعاد منتج العملية التربوية والتعليم لمختصر تفسير سورة – العصر – في صنع الإنسان الفرد – تلك السورة الجامعة الشاملة، شاملة لقواعد اربع، تمثل اركانا متينة، وركائز ثابتة لكل بناء تربوي قويم، وهي: 1- الإيمان بخالق مبدع، 2- العمل الصالح، 3- التواصي بالصبر، يعني ضرورة ضبط النفس والتغلب على الشهوات، 4- التواصي بالحق، يعني ضرورة السعي وراء الحق والحقيقة والتمسك بها، ثم التحري عن العلوم والمعارف ثم نشرها.

وهنا نلفت النظر إلى أن وجوب نجاح، مثل هذه العملية التربوية، البنائية التكوينية، انما تتطلب الصيرورة والاستمرارية، أي تبدأ منذ الولادة وتنتهي بالموت، وهذا الأمر يوجهنا إلى ضرورة تطبيق مبدأ التعلٌم الذاتي الذي ينشط بحركة فكرية استنباطية شخصية نتيجة لمشاركة الاخرين، أي ضرورة هدم فكرة “أنا ولا أحد” يعني تقبٌل الاخر وعدم الغاءه، إلى جانب تطبيق مقولة احد الحكماء: “قلٌل التعليم وأكثر من التعلٌم”. أي حقق مقولة “كن معلما وطالبا في كل وقت”.

انتبه واحذر التجاوز، الله سبحانه هو المربي الأعظم لهذه الأكوان وهذه العوالم، وكتابه العظيم، أعظم كتب التربية والتعليم، حيث يمتاز منهجه بالتوحيد والشمول، كما يتضمن أسس التطور والتغيير. لذلك ينطلق التشريع من أن الإنسان هو محور القضية التربوية، ونظر إليه، كفرد، أنه وحدة متكاملة التكوي، بجانبيه، المادي والروحي، وحدة متلاحمة غير قابلة للانفصال، بمعنى أنه يستحيل على الإنسان أن يكون مؤمنا تقيا، بعبادته وصلاته داخل المسجد أو المعبد، وفي خارجه، ومعاملاته مع الآخرين، يغش ويرتشي ويأكل اموال الآخرين بالباطل، أو يظهر إيمانه ويذكر الله قيما وقعودا، ثم يشرب الخمر ويقامر.

أما من جهة الجماعة، فمنهج التشريع الإسلامي يرفض كليا وجود جماعة متنعمة مترفهة متسلطة، وأخرى كادحة مناضلة ،لا تجد ما يسدٌ جوعها. فالمنهج الإسلامي التربوي يؤكد على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات، كما يثبٌت مفهوم الوحدة في تكوين الشخص الفرد وبناء ذاتيته، أي أنه يطلب تحقيق وحدة العقل والوجدان والممارسة، التي ينتج عنها وحدة التآلف والتوافق والتعايش، ويرفض، من جهة ثانية، التقابل والتعارض والتناقض، لأنها، المرفوض، هي سبب إفرازات العلل الفردية، وسبب الأمراض الاجتماعية، وسبب الانحرافات السلوكية.

لا شك أن المنهج التربوي الإسلامي، ثابت قابل للتطوير، وأنه صادر عن نظام محكم دقيق، لا تشويه شائبة، إذ اي خلل يسبب الدمار الشامل، حيث القيامة وانتهاء كل ما يسمى الدنيا، وينطلق ايضا، من وجوب الربط والدمج الكلي بين الفرد والمجتمع، بين الفرد والوجود، بين الوجود وخالق الوجود، وبهذا الربط الدائري المتناسق تتجسد فكرة الشمول والتوحيد .

من هذه الأفكار ينطلق التطور بمفهومه المتسامي نحو المثل العليا، ويبيٌن أفضل أساليبه جرٌاء نقل الانسان، الفرد المركب، إلى ما هو أفضل واكمل، وحمله إلى التخلي وترك كل ما يعيده إلى حافة التعصب وهمجية الادعاء ووحشية التسلط، وبذلك يكون قد حقق جوهر العملية التربوية، واستمراره بعمله الدؤوب، على اعتبار الإنسان الفرد، قاعدة السمو الروحي والأخلاقي والاجتماعي والفكري، حيث يبيٌن المنهج الإسلامي التربوي أهدافه، نلخصها بـ:

1-  مكانة الإنسان الفرد ومسؤولياته الدنوية.

2-  علاقة الإنسان الفرد ووحدة اندماجه في نظام اجتماعي إنساني.

3-  علاقة الإنسان الفرد بالطبيعة واندفاعه على استثمارها للخير العام .

4 – علاقة الإنسان الفرد بالخالق المربي وتوحيده .

لا شك أن الأمور الثلاثة الأولى تؤدي ضرورة إلى الرابع منها، يعني أن الهدف الأسمى للمنهج الإسلامي يتمثٌل في معرفة الله تعالى الواحد الأوحد، ثم بيان كيفية عبادته من خلال الأخذ باوامره والابتعاد عن نواهيه وتركها، لان كل معرفة أو معلومة نكتسبها ونحصل عليها، انما تمثٌل الخطوة الأولى في مسيرتنا الطويلة نحو تلك المعرفة المستهدفة، ومع تراكم تلك المعلومات وانتظامها، دون خلل وعلل، فإنها بلا شك تقودنا إلى ما نسعى إليه من خير وحق وسعادة.

=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى