مقالات

هاريس.. وتحدّي «الوحدة الديموقراطية»!

كمالا هاريس

“المدارنت”..
على الرغم من أن الأيام الخمسة الماضية منذ لحظة افتتاح المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الاثنين الماضي وحتى أمس، الخميس، الذي عقد في مدينة شيكاغو، كانت أياماً حافلة ب «الفرح» الذي تحول من شعار اختارته هاريس لحملتها إلى جانب شعاري «الإرث الأوبامي» أي «الأمل» و«التغيير» إلى مشاعر حقيقية متدفقة عند آلاف الديموقراطيين الذين جاؤوا لمبايعة هاريس مرشحة رئاسية باسم حزبهم، وليعايشوا اللحظة الفريدة لتسلم كامالا هاريس شعلة الحزب الديموقراطي من الرئيس جو بايدن.
إلا أن هذه «الوحدة الديمقراطية» التى تأكدت في توحد الديمقراطيين السريع حول طرح اسم هاريس مرشحاً بديلاً لخوض معركة الرئاسة في مواجهة المنافس العنيد دونالد ترامب بعد قرار الرئيس جو بايدن بالتنحّي عن خوض معركة الانتخابات الرئاسية، تواجه تحديات حقيقية بسبب التحدي الذي تمثله حملة «غير ملتزم» بالتصويت لأي من مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة وزيادة ثقل أصوات «أنصار الحق الفلسطيني» المعارضة لإسرائيل ولانحيازات الإدارة الأمريكية في الحرب الدائرة في قطاع غزة.
وكل هؤلاء من المنتسبين والمحسوبين على الحزب الديموقراطي، وبقاء موقفهم المتشدد ضد الإدارة الأمريكية التى تنتسب إليها كامالا هاريس بصفتها نائبة للرئيس في هذه الإدارة يهدد فرصتها بالفوز على دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، لأن امتناع هؤلاء عن التصويت سيكون بالخصم من رصيد هاريس ومن ثم ستذهب في مصلحة ترامب.
الظهور القوي لجماعات حملة «غير ملتزم» (Uncommitted) أول ما ظهرت في الانتخابات التمهيدية التي قام بها الحزب الديموقراطي في ولاية ميتشغان للتصويت لاختيار الرئيس جو بايدن مرشحاً للرئاسة، في 27 فبراير/ شباط الماضي، حيث نجحت «استمع إلى ميتشغان» التى دشنها نشطاء عرب أمريكيون في الأسابيع السابقة على تلك الانتخابات التمهيدية لإقناع أكبر عدد من الديمقراطيين بالتصويت ب «غير ملتزم» بديلاً عن التصويت لبايدن أو لأحد المرشحين المنافسين له من الديمقراطيين أو الامتناع عن التصويت، ويعني خيار «غير ملتزم» أن الناخب لا يؤيد أياً من المرشحين المطروحين في الانتخابات القادمة.
نجح خيار «غير ملتزم» في الحصول على أكثر من 100 ألف صوت بنسبة 13% من الأصوات، وجاء في الموقع الثاني بعد جو بايدن على مستوى الولاية في مرتبة أعلى من المنافسين لبايدن، وهو ما مثَّل مفاجأة وانتصاراً كبيراً لمنظمي حركة «استمع لميتشغان» الذين استهدفوا الحصول على 10 آلاف صوت، وهو عدد الأصوات التي مكّنت دونالد ترامب من الفوز في الولاية في انتخابات عام 2016 على منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون.
ترجع أهمية ولاية ميتشغان إلى كونها من الولايات المتأرجحة غير المحسوبة في تصويتها لأيّ من الحزبين الديموقراطي أو الجمهوري، وهي ولايات: فلوريدا، بنسلفانيا، ويسكونسن، كارولينا الشمالية، أريزونا، جورجيا، أوهايو، نيفادا، نيوهامشير، أيوا ومينيسوتا، ومن ثم فإن خسارة أيّ من المرشحين لأيّ من هذه الولايات، تعد خسارة هائلة تهدد فرص فوزه في الانتخابات.
حملة «غير ملتزم» أخذت تظهر بقوة في الأسبوعين الماضيين، وبالتحديد ضمن تجهيزات الحزب الديمقراطي لانعقاد مؤتمره الوطني في شيكاغو لتسمية كامالا هاريس وتيم والز مرشحين رسميين باسم الحزب لمنصبي الرئيس ونائبه في الانتخابات المقبلة من خلال تنظيم حركة احتجاجات واسعة خارج قاعة مؤتمر الحزب احتجاجاً على موقف إدارة الرئيس جو بايدن من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث توافد المشاركون في «المسيرة الصديقة للأسرة» وهي تحالف مؤيد للفلسطينيين وعدد من القضايا الأخرى بالحافلات من ميتشغان ومينيسوتا وإنديانا وويسكونسن، بالإضافة إلى ناشطين أتوا بوسائل نقل مختلفة من نيويورك وكاليفورنيا.
هذه الحشود أعادت إلى الأذهان التاريخ المأساوي لما شهدته مدينة شيكاغو نفسها عام 1968، حين اعتدت الشرطة على المحتجين ضد حرب فيتنام في شوارع المدينة، وامتدت إلى داخل قاعة مؤتمر الحزب الديموقراطي، ما أدى إلى انقسام المندوبين بشدة على مرشحهم حينذاك نائب الرئيس هيوبرت همفري الذي دفع ثمن هذا الانقسام هزيمة كبرى أمام منافسه الجمهوري ريتشارد نيكسون.
هل تتكرر التجربة مرة أخرى؟.
لقد حسم أمر ترشيح هاريس ونائبها تيم والز، لكن لم يحسم أمر وحدة الحزب وإقناع الجماعات الداعمة لحملة «غير ملتزم» بالتراجع عن موقفها والتصويت لصالح هاريس، خاصة وأن مؤشرات الحوار بين حملة هاريس وحملة «غير ملتزم» لم تقدم إجابة حاسمة لا من ناحية قبول حملة هاريس لمطالب «غير ملتزم»، وبالتحديد أنصار الحق الفلسطيني، ولا من ناحية تحقيق تقدم من جانب هاريس في تفكيك صيغة «غير ملتزم»، وتحويلها إلى مصوت وداعم لانتخاب هاريس. إذ لم يتوصل الطرفان إلى تفاهمات من جانب حملة هاريس تفيد الاستجابة لمطالب الحركة، ما يعني أن وحدة الديموقراطيين ستظل مهددة بكل ما تعنيه من خطر على فرص فوز هاريس واستعادة الأمل وتحقيق التغيير وجعل «الفرح» عنواناً لسنوات جديدة من الحكم تحقيقاً لشعارات حملة هاريس.

المصدر: د. محمد السعيد إدريس/ “الخليج” الإماراتية
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى