هل تهدد فلول الأسد دول المغرب؟!
“المدارنت”..
في الشمال الافريقي تصوب الأنظار بقوة هذه الأيام نحو سوريا، لكن إن كانت بعض الحكومات المغاربية مشغولة بمصير من كانوا معتقلين هناك من بين الحاملين لجنسياتها، الذين اتهموا بالإرهاب وأفرج عنهم بعد سقوط النظام، وترى في خروجهم من المعتقلات والسجون خطرا حقيقيا على أمنها، فإن أخرى قد تهتم وبدرجة أولى بإمكانية توظيف بعض الجهات للنخب العسكرية والأمنية والاستخباراتية التي كانت تمثل العمود الفقري لذلك النظام، في أعمال عدائية ضدها.
وفيما يرجح أن يكون بشار وأسرته الصغيرة قد استقروا في روسيا، فإن مصير النواة الصلبة في نظامه المنهار لا يزال غامضا ومجهولا، إذ بعد شهر من سقوطه المفاجئ والمدوي ما زال هناك كثير من الأسئلة الحائرة والعالقة. وواحد منها هو أين يمكن أن تكون قد اختفت مجموعات كاملة من كبار الضباط من ذوي الرتب العليا، التي كانت تمثل الحلقة الأولى من الدوائر القريبة من حاكم دمشق السابق.
وفيما تستمر إدارة العمليات العسكرية في سوريا في شن حملات واسعة في مناطق شتى من سوريا منها، على سبيل المثال، حمص بهدف «محاصرة وملاحقة من تلطخت أيديهم بدماء السوريين ومجرمي الحرب ممن رفضوا تسليم السلاح»، وفقا لما ذكرته مصادر مسؤولة في وقت سابق لـ»القدس العربي»، يبدو واضحا أن هناك ضباطا رفيعي المستوى يقبعون الآن رهن الاعتقال، بالإضافة إلى آخرين ممن تم اعتقالهم في فترة سابقة، عندما تمت السيطرة الشهر الماضي على العاصمة السورية.
كما أن هناك وبالمثل أعدادا غير معروفة، خصوصا من القيادات الصغرى والوسطى، التي انتسبت إلى جيش بشار قد استجابت بالفعل للنداء الذي أطلقته السلطات الجديدة، وتقدمت وبشكل طوعي لتسليم الأسلحة والمعدات التي كانت تحت أيديها، مقابل حصولها على بطاقات أمنية مؤقتة صالحة لمدة ثلاثة أشهر تعفيها من الملاحقة القضائية، وتتيح لها السفر والتنقل، وتحميها من التعرض لأي عمل انتقامي. وربما وجدت من ضمن هؤلاء بعض الأسماء الكبرى والمعروفة مثل اللواء طلال مخلوف، الذي شغل منصب قائد الحرس الجمهوري السابق، وكان مدير مكتب القائد العام للجيش والقوات المسلحة في النظام السابق، عند فرار الأسد، والذي ذكرت بعض المصادر أنه قد أجرى بدوره تسوية في مركز حكومي، وسلم بالتالي ما كان يملكه من أسلحة حربية، لكن تلك العملية ظلت مع ذلك معلقة على شرط مهم وهو، أن لا تكون تلك العناصر قد تورطت في جرائم، أو أعمال قتالية، الأمر الذي يبدو في حالة بعض الأسماء المعروفة التي عملت مع النظام السابق أمرا صعب التحقق.
ولأجل ذلك فإن فرضية هروب قسم واسع من كبار القادة العسكريين السوريين، الذين عملوا مع بشار الأسد إلى خارج سوريا تبدو الأكثر ترجيحا من غيرها. والسؤال هو إلى أي دولة يمكن أن يلجأ هؤلاء في تلك الحالة؟ وهل يمكن يتم استغلالهم أو استخدامهم من طرف الجهات التي قامت بتهريبهم، أو في المناطق التي لجأوا إليها في حروب، أو نزاعات إقليمية بعيدة كل البعد عن سوريا؟
فرضية هروب قسم واسع من كبار القادة العسكريين السوريين، الذين عملوا مع بشار الأسد إلى خارج سوريا تبدو الأكثر ترجيحا من غيرها. والسؤال هو إلى أي دولة يمكن أن يلجأ هؤلاء؟
أواخر الشهر الماضي ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن» القوات الروسية المتمركزة في قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية قامت بنقل العشرات من كبار ضباط النظام السوري السابق الى إحدى قواعدها في شمال افريقيا «وتمت عملية النقل» على دفعتين على الأقل خلال شهر ديسمبر/كانون الثاني الماضي، دون ذكر الوجهة النهائية. وحسب المرصد فقد جرى نقل الدفعة الأولى في الثامن من ديسمبر الماضي، تزامنا مع مغادرة الرئيس المخلوع بشار الأسد لسوريا «ونقلت المجموعة الأولى من الضباط التي تضم قيادات بارزة في الجيش والمخابرات وشخصيات نافذة في مؤسسات العهد السابق، عبر طائرة مدنية روسية».
وفي الثالث عشر من الشهر الماضي «نقلت الدفعة الثانية باستخدام طائرة شحن عسكرية روسية وشملت العملية مجموعة جديدة من كبار الضباط»، يتزامن ذلك مع المعلومات التي ذكرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» في الثامن عشر من الشهر الماضي نقلا عن مسؤولين أمريكيين وليبيين من أن روسيا قد نقلت معدات دفاع جوي متقدمة، بما في ذلك رادارات لأنظمة الدفاع الجوي أس 400 وأس 300 من سوريا إلى قواعد في شرق ليبيا يسيطر عليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وهذا ما يطرح سؤالين مهمين للغاية وهما، ما الذي تخطط روسيا لفعله في الشمال الافريقي؟ وهل أنها أقدمت على نقل معداتها العسكرية إلى هناك فقط بالتنسيق مع حفتر؟ أم أيضا مع دول أخرى في المنطقة؟ ثم هل إنها هرّبت تلك الشخصيات والقيادات العسكرية السورية إلى هناك حتى توفر لهم ملجأ آمنا نسبيا، أم أنها تفكر في إشراكها بطريقة من الطرق في الحروب والنزاعات الدائرة هناك؟ والتقاطع الذي يحدث هنا هو هل يمكن أن تستقطب جبهة البوليساريو مثلا جزءا من تلك القيادات وتوظفها في تدريب قواتها، بل ربما حتى في الاشتراك معها في عمليات قد تشنها في الصحراء ضد القوات المغربية؟ لعل البعض قد يرى أن مثل ذلك السيناريو يبدو خياليا للغاية، لكن ومع أن المغرب لم يوجه في السابق أي اتهام رسمي للنظام السوري بالضلوع في تدريب قوات البوليساريو داخل سوريا.
إلا أن عدة تقارير إعلامية أشارت منذ وقت قريب إلى وجود أعداد من تلك القوات داخل الأراضي السورية يشرف على تدريبها إيرانيون، بل ذكر البعض منها، أن هناك من تم القبض عليه من بين هؤلاء عند انسحاب قوات النظام السوري السابق من بعض المدن مثل حلب، وفي صورة ما إذا ثبت ذلك فهل هناك ما قد يمنع غدا من أن تنتقل العملية إلى مكان آخر خارج سوريا، ويشرف بالتالي قادة سابقون في جيش بشار، بدل القادة العسكريين الايرانيين على تدريب ميليشيات البوليساريو داخل مخيمات تندوف، عوضا عن المعسكرات السورية؟
من البديهي أن حدوث ذلك الأمر سوف يتطلب توفر عدة عناصر وأولها الغرض الأساسي من وراء تهريبهم من الأراضي السورية وهذا ما يتقاطع بشكل كبير مع المصالح الروسية في المنطقة. فهل سيكون بوسع روسيا في هذا الصدد أن تجازف بتهديد مصالحها مع المغرب، لمجرد إرضاء الجزائر، أو الاستجابة لطلب من ذلك النوع قد تطلبه منها؟ ربما تدل التباينات الواضحة بين توجهات موسكو في الساحل الافريقي، وخيارات الجزائر هناك على أن تلك الإمكانية تبقى محدودة.
كما أن قدرة وقابلية تلك القيادات للانخراط في حروب عصابات وعلى ميدان مختلف تماما عن الذي عملت فيه في السابق، قد تحد من ذلك بشكل كبير. لكن هل يعني ذلك أن فلول جيش بشار ستتمتع بتقاعد مريح في الشرق الليبي، مثلما يرجح ان يكون مكان وجودها الآن حسب عدة مصادر؟ يبدو من الصعب أن يحصل ذلك. أما ما طبيعة الأدوار، التي ستقوم بها وأين وكيف؟ فهذا ما ستكشفه الأيام.