هل قاطع المقداد فيدان حقا؟!
“المدارنت”..
يبحث (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان عن فرص الاستفادة من البوابة العربية خلال مفاوضاته مع النظام في دمشق، بعدما تعثر المسار أكثر من مرة عبر الوساطات الروسية والإيرانية. لذلك، لن يقول لا لوساطة عربية روسية مشتركة بين أنقرة ودمشق.
من المفترض نظريا، على الأقل، أن لا يكون قد تم أي لقاء جانبي بين هاكان فيدان، وزير خارجية تركيا، ونظيره السوري فيصل المقداد، على هامش مؤتمر وزراء الخارجية العرب المنعقد قبل أيام في القاهرة. فحركة المقداد الاستعراضية ومغادرته قاعة الاجتماع، لحظة توجه فيدان لإلقاء كلمة شكر وتحية على دعوته للمشاركة، بعد عقد من القطيعة والتباعد بين أنقرة والجامعة العربية، هي ما تشير إلى ذلك. فهل حدث العكس؟ وسنقرأ قريبا من يكشف لنا النقاب عن لقاء تم بينهما بوساطة عربية في العاصمة المصرية؟
لا نعرف بعد تفاصيل ما قاله الوزير المقداد أمام القمة، لكننا نعرف أن فيدان لم يعامله بالمثل وهو يتحدث، وأن الأجواء العربية اليوم تغيرت كليا عن أجواء ما قبل عام، عندما كان المقداد يعلن من المكان نفسه أن “التحديات الرئيسية التي تواجه سوريا تمتد لتشمل الأمن القومي العربي برمته. فالإرهاب الذي طال بجرائمه سوريا والعديد من الدول العربية، والاحتلال التركي والأميركي لأجزاء من الأراضي السورية ومفرزاته، يهدد المصالح العربية بشكل عام ويتطلب تضافر الجهود لوضع حد له”.
لم نفهم جيدا أسباب مغادرة وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد لقاعة اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة، عند دعوة نظيره التركي هاكان فيدان لإلقاء كلمة أمام الحضور:
هل هو موقف احتجاجي على دعوة تركيا لحضور القمة العربية وبالتالي تعبير عن رفض دمشق للتقارب التركي العربي المتزايد؟
أم هو احتجاج على التقارب التركي المصري الأخير بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للعاصمة التركية وما أُعلن حول مسار الأزمة السورية، وسبل الحل والتسويات التي توجت باحتمال دخول مصر على خط الوساطة بين أنقرة ودمشق إلى جانب جهود العديد من العواصم العربية وروسيا والصين؟
أم هي رسالة رفض دمشق لإنهاء أعمال لجنة المتابعة لسياسة تركيا العربية على ضوء التحولات والمتغيرات الأخيرة في العلاقات التركية العربية؟
أم محاولة لإظهار موقف سوري مغاير لما يجري تحت سقف الجامعة العربية، يميز فيه بين موقف دمشق وتمسكها بمطالبها قبل أي حوار مع أنقرة، وبين موقف العديد من العواصم العربية التي بدأت تتحرك باتجاه الضغط على النظام لقبول السياسة العربية الجديدة حيال سوريا وعروض التسويات الهادفة لتفعيل الدور العربي بهدف موازنته مع بقية العواصم المؤثرة في المشهد السوري اليوم؟
أم لإعلان أن كل جهود الوساطة واللقاءات وصلت إلى طريق مسدود ولم تنجح في تقديم أي ضمانة تريدها دمشق من الجانب التركي؟
أم بهدف تسجيل موقف سياسي أمام الشارع السوري المناصر للنظام في سوريا، والتذكير بقدرة بشار الأسد على المناورة ولعب الورقة الإيرانية عند الضرورة، وتعقيد المشهد في سوريا أكثر فأكثر إذا لم يحصل النظام على ما يريده من ضمانات توفر له الخروج السليم عند انطلاق المرحلة الانتقالية في سوريا؟
اللافت خلال تتبع المشاهد والصور هو استغراب البعض وتبسم البعض الآخر وتجاهل الوزير التركي ما يجري أمامه، وكأن المقداد لا علم له بمشاركة فيدان وكأنه لم يكن يملك حق النقض ونسي إلزامية شرط الإجماع في قرارات الجامعة العربية في حالات مماثلة. أنقرة غير راغبة في التصعيد لأن الدعوة عربية أولًا ولأنها تأتي بعد زيارة الرئيس المصري السيسي لتركيا الانفتاحية ثانيا، ولأن البعض عربيا حذره من المبالغة في الرد لأن هذا ما تريده بعض العواصم والأطراف المحسوبة على النظام، وهو عرقلة جهود الوساطة العربية بين أنقرة ودمشق ثالثا.
منحت جامعة الدول العربية تركيا صفة مراقب دائم لاجتماعاتها قبل نحو عقد ونيف بعد تحسن العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين. توترت العلاقات بعد انفجار حراك الربيع العربي ومواقف أنقرة حيال ما يجري، وتحديدا في مصر.
عقدت سياسة تركيا العربية في التعامل مع ملفات أمنية وسياسية تعنيها مباشرة في سوريا والعراق والخليج الأمور أكثر فأكثر، وجمدت مشاركتها في اجتماعات الجامعة وبرامج التعاون السياسي بين الجانبين، إلى أن قرر الجانب التركي مراجعة سياسته الإقليمية اعتبارا من العام 2021، والتي واكبها تحول في مواقف العواصم العربية أعاد المسار إلى ما كان عليه قبل العام 2014. فما هي مصلحة فيدان اليوم في توتير العلاقات وافتعال أزمة مع النظام في دمشق على حساب كل هذا التقارب والانفتاح التركي العربي؟
أراد المقداد أن تكون رسالته لأنقرة وحدها وليس للدول العربية، وهذا ما أشار إليه خلال لقاء مع الإعلام المصري، عندما قال: “لن يكون هناك أي تعامل مع الجانب التركي إلا بعد الاستجابة لمطالبنا.” لكن هدية الرئيس التركي للنظام في دمشق حول التنسيق الاستراتيجي الثلاثي، هي ربما التي حالت دون بروز موقف سياسي سوري أكبر من مغادرة المقداد لقاعة المؤتمر خلال إلقاء الوزير فيدان لكلمته، وعودته بعد ذلك إلى مقعده دون توتير أجواء القمة والتذكير بحق النقض الذي تملكه دمشق في مسألة الإجماع العربي على قرار توجيه الدعوات.
هذا إلى جانب عوامل أخرى يعرفها الأتراك، مثل الأجواء التي واكبت عودة سوريا إلى الجامعة والمقايضات التي سبقت ذلك ومتطلبات المرحلة الجديدة وشكل التوافقات العربية السورية. معرفة أنقرة بأهمية الهدف العربي نحو استرداد الجامعة لدورها في معالجة الأزمة السورية والدخول على خط الوساطة بين أنقرة ودمشق، وقطع الطريق على مزيد من التوغل الإيراني، ربما هو الهدف العربي الأهم في هذه الأونة، وتفعيل خطوات التقارب التركي العربي بعد حل جامعة الدول العربية للجنة المكلفة ببحث “التدخل التركي في الشؤون الداخلية للدول العربية”.
أراد أردوغان تثبيت سياسة الانفتاح التركي على العالم العربي قبل توجه وزير خارجيته هاكان فيدان إلى القاهرة لحضور اجتماع وزراء الخارجية العرب بدعوة من الجامعة. لذلك، كان العرض التركي هذه المرة باتجاه تشكيل خط تنسيق تركي-مصري-سوري ثلاثي في مواجهة السياسات والممارسات الإسرائيلية في المنطقة.
يدرك أردوغان أنه يتحدث بعد ساعات من مغادرة نظيره المصري للعاصمة التركية، واستشهاد المواطنة التركية الأميركية عائشة نور أزغي برصاص الجنود الإسرائيليين خلال مشاركتها في تظاهرة احتجاجية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لكنه يعرف أيضا أن العديد من العواصم العربية تنتظر من أنقرة تفعيل مسار المصالحة والتطبيع مع دمشق، وعدم تجاهل حصتها في هذا الموضوع.
يبحث أردوغان عن فرص الاستفادة من البوابة العربية خلال مفاوضاته مع النظام في دمشق، بعدما تعثر المسار أكثر من مرة عبر الوساطات الروسية والإيرانية. لذلك، لن يقول لا لوساطة عربية روسية مشتركة بين أنقرة ودمشق تسرع الانتقال بالملف إلى مرحلة جديدة، بدلًا من تريث واشنطن وما ستقوله وتفعله هناك، حتى ولو كرر المقداد حديثه عن شرط الانسحاب التركي من الأراضي السورية لتتحقق رغبة الرئيس التركي في تشكيل المحور الثلاثي. وهذا يتطابق مع ما قاله مصدر تركي، حيث اعتبر أن دعوة فيدان لحضور اجتماع جامعة الدول العربية يمكن أن تساعد في تعزيز “الحلول للمشكلات الإقليمية الحالية والتعاون المستقبلي الملموس”.