مقالات

هل يصمد «السلم الأهلي» في سوريا؟!

“المدارنت”..
لا تزال تداعيات التمرّد العسكريّ الخطير الذي انطلق الخميس الماضي في مناطق الساحل السوري مستمرة.

ما اتضح حول هذه العملية، حتى الآن، رغم الغموض التي يكتنفها، ارتباطها بتنسيق بين ضباط «الفرقة الرابعة» التي كان يرأسها ماهر الأسد، الذين قاموا خلال الشهرين الماضيين، بوضع خطط وتوزيع أموال وإنشاء شبكة من العناصر السابقة في المخابرات الجوية والأمن العسكري والضباط قامت بكمائن في مناطق متعددة وسيطرت على مواقع وقواعد عسكرية وقطعت طرق الساحل، ثم بدأت بالتراجع بعد استعادة الأمن العام لمدينتي اللاذقيـة وجبلـة.
رغم سيطرة السلطات السورية على المناطق الرئيسية للتمرد استمرت بعض الاشتباكات وعمليات التمشيط في أرياف حمص ومصياف وطرطوس والقرداحة (التي أعلن عن اكتشاف «مقبرة جماعية» لعناصر من «الأمن العام» فيها) كما لا تزال الأنباء تتوارد عن حصول أعمال انتقام متفرقة، وتجاوزات، وانتهاكات، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والماء والخبز عن بعض المدن كاللاذقية.
وثق تقرير لـ«الشبكة السورية لحقوق الإنسان» أسماء 642 قتيلا خلال الأحداث الجارية، وبلغ عدد عناصر الأمن العام والدفاع والمدنيين الذين قتلتهم «الجماعات المسلحة غير الحكومية» موالية لنظام بشار الأسد السابق، حسب هذا التقرير، 315 فردا بينهم 167 عسكريا و148 مدنيا، كما وثقت الشبكة مقتل 327 شخصا على الأقل من «المسلّحين والمدنيين» من الطائفة العلوية، فيما تحدّثت مصادر أخرى، مثل «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن مقتل أكثر من 800 من المكوّن العلوي خلال الأعمال الانتقامية.
كان التدخّل الإسرائيلي في الأحداث السورية الأخيرة جليا، سواء عبر التصريحات التي كان آخرها مطالبة تل أبيب للاتحاد الأوروبي بالكف عن «منح الشرعية» للسلطات الجديدة في سوريا، أو في الإعلانات المتكررة عن «حماية الأقليات» وخصوصا الدروز في جنوب البلاد، وفي التوغلات وعمليات القصف المستمرة. يضاف إلى ذلك وجود حملات منظمة وكثيفة في وسائل التواصل الاجتماعي تنشر معلومات مضللة وتدعو لتقسيم سوريا.
أظهرت إيران، في المقابل، المتأثرة بفقدانها موقعا استراتيجيا كبيرا في سوريا، أشكالا من الدعم للتمرد عبر الإعلان عن تشكيل «جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا» وجماعة «أولي البأس» كما هللت بعض وسائلها الإعلامية لـ«انتصارات المنتفضين» الموالين للأسد، واصفة قوات الأمن العام بـ«قوات الحكومة السورية الموالية لتركيا» وهو ما كان موضوعا للتعليق من وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي ندد بعمليات «إحداث الفوضى» في سوريا.
يشير الخطّ الزمني لتطوّر الأحداث في سوريا إلى أن التمرد العسكري بدأ يتشكّل مع تجمّع عدد كبير من ضباط الجيش والأمن في المنطقة الساحلية، وتنسيقهم مع ماهر الأسد وضباطه الكبار الذين بقي بعضهم في العراق وانتقل البعض الآخر إلى المنطقة التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني في سوريا (وهو ما يعني تلقيه دعما إقليميا) وأن هؤلاء اعتقدوا أن إشعال الساحل يمكن أن يؤدي لهجوم منسّق من مناطق الشمال الشرقي الكردية، ومناطق الجنوب، وأن هذا سيحظى بدعم دولي روسيّ وأمريكي وإسرائيلي.
كان متوقعا أن يجد هذا التمرّد أرضية في المناطق العلوية التي فقد الكثيرون من أفرادها وظائفهم ورواتبهم السابقة في الجيش والأمن وقطاعات الدولة الأخرى، ورغم أن هذا سهّل التحرّكات والكمائن والعمليات العسكرية، لكنّه تعرّض لعدد من الانتكاسات، والرفض، في أكثر من مكان، وكان هذا، على ما يظهر، أحد أسباب التصفيات التي تعرّض لها علويون معروفون معارضون للنظام السوري السابق.
تعرّضت الإجراءات التي قامت بها الحكومة السورية الجديدة، سواء ما تعلق بـ«الحوار الوطني» أو إعلان الدستور، إلى نقد لتهميشها العلويين، وبعض الأقليات الأخرى، كالدروز والأكراد، وكان ذلك من ضمن أسباب التوتّر السياسي والاجتماعي الراهن في سوريا.
تحدّث الرئيس السوري أحمد الشرع أمس عن ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، كما أعلنت السلطات عن تشكيل لجنتين مستقلتين للتحقيق في الأحداث الأخيرة في الساحل، لكن هذه التصريحات والإجراءات، على أهميتها، قد لا تكون كافية لمعالجة التصدّع الكبير الذي أصاب السلم الأهلي في سوريا ما لم تحصل تطوّرات سياسية أخرى كبيرة، تقوم بالتفاوض مع الكرد والدروز والعلويين، وتساهم في ردم الفجوات المتزايدة، والشرخ الكبير الذي أصاب النسيج السوري.

المصدر: رأي “القدس العربي” اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى