.. والآن الى أين؟!
“المدارنت”..
على من سيلقي الحزب (حزب الله)، مسؤولية ما جرى، وكيف وبأي اتجاه سيحرف الأنظار عن النكبة الحالية؟!
مرتكز واحد، من المرتكزات، التي بنى “حزب الله” عليها توجهاته وخطابه السياسي ووجهته القتالية وسرديته، تجاه البيئة التي يعيش فيها ويخاطب من خلالها اللبنانيين بقيت صامدة وثابتة.
اما باقي توجهاته ووعوده واماله، وتطلعاته وشعاراته، فقد تحطمت وتناثرت شر تناثر وسقطت في أعماق اللجة اللبنانية المتهاوية.
المتبقي من خطاب الحزب، هو، واقعة قوة وصلابة وثبات وبسالة ونجاح المقاتل اللبناني، المستعد للدفاع عن ارضه وقريته وبلداته حتى الرمق الأخير. وهذا ما اثبتته معارك الالتحام والمواجهة العسكرية التي جرت طوال الأيام الماضية في ما اصطلح على تسميته، قرى الحافة الامامية في الجنوب، المواجهة لفلسطين السليبة او “إسرائيل” العدوّة.
لقد شيّد “حزب الله”، عمارته الايديولوجية والفكرية والاعلامية والدعوية، والسياسية على مجموعة من المرتكزات والوعود، والمفاهيم والثوابت التي تحطمت وتدحرجت كلها، وتهاوت نتيجة هذه المواجهة التي اندلعت في الثامن من اكتوبر 2023، وانفجرت بشكل واسع في ايلول 2024. واسفرت عن ما يشبه النكبة العامة والمأساة المتمادية، نتيجة صدمات التدمير والنزوح المؤلم، والمذل لسكان الجنوب والبقاع والضاحية، او ما يسمى بالبيئة الحاضنة.
أول سرديات الاوهام التي تحطمت، تمثلت في خوض الحرب على أساس لا واقعي، من نسج خيال إيراني، وهو التلازم بين جبهة لبنان وجبهة غزة، وان لا وقف لاطلاق النار بشكل منفصل عن غزة، بل الإصرار على ان وقف النار في غزة ولبنان، يجب ان يكون مع بعضهما البعض. لكن الذي حصل في المحصلة ان وقف النار حدث في لبنان قبل غزة. مما يدل واقعيا بانه ما كان يجب ان تربط جبهة لبنان بجبهة غزة، لاسباب كثيرة. لكن الذي جرى هو ما كان يجب ان يجري من البداية لكي يتوفر على لبنان هذا الشقاء والكلفة العالية بل المهولة جراء العناد الفارغ.
وثاني وأهم السرديات التي تحطمت، تمثل بسقوط وانزياح بريق وهم النموذج الإيراني، الذي خدع شيعة لبنان، والذي اخذ مكانه ومطرحه، فيما مضى في عقول العامة، عن قوة ايران وبطشها وهيبتها وصلابتها في مواجهة “اسرائيل” والولايات المتحدة. وخصوصا مع تمكن “اسرائيل” من اغتيال امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، اذ ان مجمل رد الفعل الإيراني، على اغتيال (الأمين العام السابق لحزب الله) السيد نصر الله، تبين انه ردّ باهت، لم يكن على قدر المُصاب، وعلى القدر الذي كان يروج له من قبل ايران واعوانها وابواقها الدعائية.
وقد ظهرت ايران تحديدا، فيما يتعلق بواقعة اغتيال السيد نصر الله، انها تفكر وتهتم لقضايا اخرى وطنية إيرانية، لا تتوافق مع اهمية ومكانة السيد نصر الله، او كما كانت تروج لهذا الامر.
ان كل تجربة ردود الافعل الإيرانية، دلت ان ايران، تحسن استخدام وتشغيل، الاذرع والادوات التي تسهم في تأسيسها واستخدامها وتشغيلها لاهدافها لكنها لا تتاثر او تهتم بسقوط هؤلاء .
تكفي مقارنة رد الفعل الأمريكي، ازاء التهديدات التي تعرضت لها “اسرائيل”، وكيف هرع (الرئيس الأميركي) جو بايدن الى نصرة “إسرائيل” وللوقوف الى جانب (الإرهابي الصهيوني بنيامين) نتنياهو وارساله لـ”اسرائيل”، احدث الاسلحة واضخمها واقواها، مع حشد اساطيلها وحاملات الطائرات الغربية والامريكية، فيما رد فعل ايران، على تعرض لبنان والسيد نصر الله جاء اقل بكثير من الذي كان منتظرا من ايران.
السردية الثانية، التي سقطت من سرديات “حزب الله”، هي تشديده ومبالغته في التشديد، على ان “اسرائيل” لن تجرؤ على مهاجمة لبنان، لانها ستتعرض لما هو غير محسوب، وهذا ما ظهر بطلانه وعدم صحته.
اما السردية الأخرى، التي تحطمت أيضا، هي الترويج لمقولة ان “اسرائيل” عاجزة عن خوض الحرب الطويلة. وقد تبين ان “اسرائيل” قادرة على خوض حروب طويلة، وهذا ما ظهر بين غزة ولبنان. فهي الآن تخوض اطول حروبها، وقد قدمت مصلحتها البعيدة والعميقة على قضايا كثيرة كانت سائدة .
كما سقطت سردية، ان تدمير بناية من ابنية بيروت، سيقابل بتدمير ابنية من مباني تل ابيب.
اذ تبين ان تدمير ابنية بيروت، قوبل بردّ صاروخي من “حزب الله”، نجح فيه من اختراق الدفاعات “الاسرائيلية”، والقبب الحديدة وانزال بعض سكان تل ابيب الى الملاجيء. لكنه من دون اضرار متناسبة مع اضرار بيروت ولبنان. وبالتالي النتائج التي احدثها قصف “حزب الله” كانت تكاد لا تذكر نسبة للدمار الذي وقع في لبنان. ليظهر ان التاثير الذي احدثه رد “حزب الله”، لا يتناسب على الاطلاق مع تاثير الرد “الاسرائيلي” التدميري الهائل.
لقد سقط في لبنان ما يناهز 4,000 شهيدًا، و16 ألف جريح، وآلاف المنازل المهدمة والاقتصاد المدمر. فيما لم يقتل في “اسرائيل” من المدنيين اي شخص، كما حدث في بيروت والجنوب والبقاع. هذا في الوقت الذي تتدفق فيه مليارات الدولارات الامريكية على “اسرائيل”، فيما لم تظهر من المساعدات الايرانية أيّ قشة حتى الان.
لكن الاهم من كل ذلك في هذه المقارنة المطلوبة هو تهاوي سرديات “حزب الله” المتصلة بتصوره عن نفسه وقوته.
فقد قدم الحزب نفسه، وربما ما يزال على انه قوة رادعة لـ”اسرائيل” وحامية للبنان من البطش والعدوان. وقد بينت التجربة ان منطق الردع قد سقط ومعه منطق الحماية، اذ فشل الحزب في حماية نفسه وقادته وفي مقدمهم، امينه العام السيد نصر الله وخليفته السيد هاشم صفي الدين. كما تساقط أغلب قادة الصف الاول الميدانيين، امام آلة العدو الغاشمة والمسيطرة والمتفوقة امنيا وعسكريا.
لا يمكن تجاهل ان الاختراقات الامنية التي ظهرت من قبل “اسرائيل” في صفوف “حزب الله”، تحتم وجود اختراقات امنية بين عناصره وقادته، فالامر ليس مقتصرا على التفوق التكنولوجي فقط، بل على الاختراقات البشرية التي كما هو ظاهر حسب التجربة، انها متقدمة وليست محدودة، وهي التي أسهمت في تسهيل التفوق الامني “الإسرائيلي”، وتقدم معلوماته، وهي التي ساعدت على التفوق الظاهر للعدو عسكريا في اكثر من مجال.
مع نهاية عدوان تموز وبداية ظهور نتائجه الكارثية على مستوى المنازل المهدمة في الضاحية والجنوب، ادرك الحزب مدى الخراب الذي تسبب به فقرر تحويل الأنظار باتجاه اخر عنه لتحميل الآخرين المسؤولية والتخفيف عن كاهله.
كان وجود حكومة “الرئيس” فؤاد السنيورة (رئيس حكومة أسبق)، التي تمايزت في الموقف عنه، الحجة المناسبة، والشماعة التي القى الحزب عليها مسؤولية كل ما جرى.
ترى، على من سيلقي الحزب مسؤولية ما جرى هذه المرة، وكيف وبأي اتجاه سيحرف الأنظار عن النكبة الحالية؟.