مقالات

وصفوني نازياً لاهتمامي بأطفال غزة!

جدعون ليفي

“المدارنت”..
“عند التركي”، هو اسم محلّ معروف لبيع الشاورما في “أور يهودا”، ولكن لا يوجد فيه شيء تركي، المشهد شعبي والأسعار أقل شعبية، وشخص منظم على المدخل، وطابور من الزبائن الذين جاؤوا من قريب وبعيد. خدمة إبني العسكرية أوصلته إلى هذا المكان، ومنذ ذلك الحين وهو يحب الأكل هناك.
أول أمس في الظهيرة، كنا هناك مرة أخرى. سرعان ما ثارت ضجة. بدأت بالشتائم بصوت مرتفع، انتهت بدائرة تبعث الرعب حول طاولتنا. “ليتك تختنق بالأكل وتموت”، كانت البداية، “لماذا تسمح لهم بالأكل هنا؟”، استمر التهديد. و”لو لم توجد كاميرات لحطمت وجهك”. هكذا كانت النهاية. “انظروا من يأكل هنا”، قال شخص للمارة، ووقف هؤلاء في دائرة ينظرون إلى الشيطان الذي جاء إلى المدينة.
تقدم الرجل واقترب من طاولتنا. ازداد غضبه وكان العنف قريباً جداً. خرجنا من هناك على صوت الشتائم التي رافقتنا إلى السيارة. “تباً لمن يأكل مع هذا النازي”، ثم وجهوا الشتائم لابني. ليس للمرة الأولى ولا الأخيرة.

“انظروا من يأكل هنا” قال شخص للمارة ووقف هؤلاء في دائرة ينظرون إلى الشيطان الذي جاء إلى المدينة تقدم الرجل واقترب من طاولتنا ازداد غضبه وكان العنف قريباً جداً خرجنا من هناك
على صوت الشتائم التي رافقتنا إلى السيارة

ثمة جملة قيلت هناك أكثر من مرة، لم أسمعها من قبل، وهي “أنت نازي لأنك تهتم بأطفال غزة، في “أور يهودا” حصلت النازية على تعريف جديد: النازي هو من يهتم بأطفال غزة. التجويع، والحصار، والنقص، والتدمير، والتطهير العرقي والإبادة الجماعية في غزة تعتبر في العالم خصائص للنازيين، في حين أن النظام انقلب في “أور يهودا”. النازي هو الذي يهتم بالضحية. من يهتم بأطفال غزة لن يأكل في “أور يهودا” أو يقترب منها – المدينة التي تتضمن شارعاً باسم يوني نتنياهو، ومطعما باسم “لقاء عنتيبة”، وشارعا سمي في السابق باسم عشيقة رئيس البلدية.
خلال هذه الحرب واجهت العنف والتهديد أقل من العادة، انتقلت الساحة إلى “نعم” أو “لا”، والنضال من أجل المخطوفين. التلفزيون لا يقدم أي رأي بديل أو صوت يعارض جرائم الحرب، وهكذا يخفف على المصدومين من أفعال إسرائيل: في هذه المرة، مجموعة المعارضين آمنة أكثر من رعب الجمهور. لأن صوته تم إسكاته وإبعاده عن الحوار. هذا الإسكات خطير.
لا حرب خضناها إلا وكان لها معارضون، على الأقل في المراحل المتقدمة والأكثر إجراماً. دائماً الحروب هنا بدأت بدعم المجتمع اليهودي، وحتى بانفعال شامل في أوساط أبنائه، إلى أن فتحت الشروخ وبرزت الأسئلة.
حرب لبنان الأولى كانت مثالاً على ذلك، كذلك عملية “الرصاص المصبوب” و”الجرف الصامد”، حين أثارتا المعارضة في مرحلة ما. لكن الحال تختلف هذه المرة. هذه الحرب، الأطول التي عرفتها الدولة منذ إقامتها، هي الحرب التي كانت الموافقة عليها أوسع من أي حرب أخرى، على الأقل في الخطاب العلني حولها. المحتجون يريدون صفقة؛ والمعارضون يريدون وقف إطلاق النار وحتى إنهاء الحرب – لكن لا لشيء إلا من أجل المخطوفين والجنود الذين يقتلون. الضحايا في غزة لا يؤخذون في الحسبان بالمرة. ومن يحاول ذكرهم، على الأقل في “أور يهودا”.
غسل الأدمغة والعمى، يسجلان أرقاماً قياسية غير مسبوقة. خيبة الأمل للكثيرين والجيدين – القلائل جداً الذين استيقظوا منها الآن– خلقت السراب والوهم: للوهلة الأولى، يبدو أن في الدولة نقاشاً عميقاً، والمجتمع منقسم أكثر من أي وقت مضى. لا يوجد انقسام: إسرائيل موحدة في تأييدها غير المحدود للجيش الإسرائيلي مهما تراكمت جرائمه. وبفضل هذه الوحدة غير المحدودة، يمكن لإسرائيل أن تفعل في غزة ما يخطر ببالها بعد 7 أكتوبر.
عملياً، لم تكن إسرائيل موحدة بهذا الشكل كما هي موحدة في بداية العام 2025، رغم كل الضجة في الخلفية والنحيب المصطنع على “الاستقطاب الموجود في الشعب”، إلا أن الاحتجاج على هذا النظام الجيد محظور في أي حال، ومن يحاول فعل ذلك فهو نازي.
عندما وصلنا أخيراً إلى السيارة أنا وابني، تقدم نحوي شاب لطيف، وطلب مباركتي. وقال إن من لا يرد على الشتائم والتهديدات، يعتبر صاحب خصائص مميزة. وطلب مني أن أعطيه البركة، ليجد زوجة جيدة في القريب. فعلت ذلك وكنت مسروراً لتقديم هذه المساعدة.

المصدر “هآرتس” العبرية
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى