مقالات

وِزْرُ وزيرٍ!

الوليد حسين الخطيب/ لبنان

خاص “المدارنت”..
“إذا أردتَني أن أحترم القانون، فاجعل القانون محترمًا”، الأمر بسيط جدًّا. ولكن، في الدَّرْكِ الذي نحن فيه، كل قرار يؤخذ من أيّ وزير هو قرار اعتباطي وعشوائي غير مبنيّ على أسس صحيحة ولا يعرف المنطق، لأن كل مَن هو في موقع القرار ليس في مكانه المناسب، ولا تهمّه مصلحة المواطنين ولا عواقب ما يتّخذ من قرارات.
ليست المشكلة في أن يخطئ وزير ما في قرار اتّخذه لسبب ما، إن كان فعلًا يؤدّي واجبه على أكمل وجه، ولا يتقاعس ولا يتهاون في حقوق الناس، فهو أولًا وأخيرًا إنسان قد يخطئ وقد يصيب، وهو ليس معصومًا ولا قدّيسًا ولا وليًّا… وربّما يعود عن خطأ ارتكبه إذا شعر بأنّه عرّض الناس لأذًى في أرزاقهم أو في أعمالهم أو في مصالحهم المؤتمَن عليها… ولكن في اللادولة التي نحن فيها، هذا لن يكون لأنّ كل مَن هو في موقع القرار لا يخطئ ولا يغفل ولا يسهو، وهو فوق مستوى الشبهات ولا يتعرّض للمحاسبة ولا للمساءلة، طالما أنّه “زلمة الزعيم”، ومحميّ منه ويؤدّي واجبه ويقدّم له فروض الولاء والطاعة. إلّا أنّه قد يتراجع عن قرار اتخذه بموجب اتصال من إحدى الجهات المتنفّذة، بألّا يتعدّى حدوده ويطبّق القانون على جمهورها – إن صحّت تسميته قانونًا – في حدود المناطق/ الدولة التابعة للجهة المتّصلة.
هذا كله يؤدّي إلى الاستبداد، والاستبداد بحسب عبد الرحمن الكواكبي في كتابه: “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، هو “صفة للحكومة المطلقة العنان فعلًا أو حكًما التي تتصرّف في شئون [هكذا] الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين. وتفسير ذلك هو كون الحكومة إما هي غير مكلفة بتطبيق تصرفها على شريعة، أو على أمثلة تقليدية، أو على إرادة الأمة، وهذه حالة الحكومات المطلقة. أو هي مقيدة بنوع من ذلك ولكنها تملك بنفوذها إبطال قوة القيد بما تهوى، وهذه حالة أكثر الحكومات التي تسمي نفسها بالمقيدة أو بالجمهورية”.
من هذا المنطلق، القانون عندنا استنسابي، ويُطبَّق أو لا يُطبَّق بحسب المصالح الشخصية. وطبعًا لكل قرار ما يبرّره بحسب حجم المنفعة. لذا، الفشل هو حليف الوزراء الدائم في الملفات المسؤولين عنها، حيث “إن الناجح لديه خطة وبرنامج، والفاشل لديه تبريرات”، وفق قول الأديب الإرلندي الساخر جورج برنارد شو.
سبب التطرق إلى هذا الموضوع، هو الموبقات والمخالفات التي تُرتَكب في حق الناس، وأقصد بالناس الذين لا يوالون أحدًا ولا يصفّقون لأحد، ولا يريدون إلا الحفاظ على آدميتهم واحترام عقولهم وكراماتهم، ولا يبغون إلّا وطنًا صالحًا لعيش البشر. فمن ضمن الموبقات والمخالفات الأخيرة التي تفتّقت عنها عبقرية وزير الداخلية، وأبدع أيّما إبداع هي مدّ اليد إلى جيوب الناس للحصول على مبالغ من المال، عن مخالفة ارتكبها وحكومته العتيدة.
فبعد سنوات من إقفال النافعة وإيقاف الخدمات الضرورية لأسباب كثيرة لا يتسع المكان لذكرها في هذه المقالة، أقرّ الوزير فتح باب دفع رسوم “المكانيك”، مع غرامة تأخير لا ناقة لنا فيه ولا جمل، ودفْع ثمن ملصق تكلفته زهيدة جدًّا يُلصَق على زجاج السيارة الأمامي دليلًا على أن رسم “المكانيك” مدفوع، وهذا الملصق يعرف بالـ”vignette”. المصيبة تكمن – إضافة إلى الغرامة المفروضة – في أن المبلغ الذي سيُدفَع ثمنًا لهذا الملصق يقارب المبلغ الذي سيُدفَع رسمًا “للميكانيك”، والمصيبة الأكبر أنّه غير متوفّر، ما يعني أنّ أحدنا يدفع مقابل لا شيء. وهذا من ضمن أصعب الأمور التي نواجهها في حياتنا، حيث نشعر بأننا تُسرَق ونُنهَب بطريقة مقوننة.
أصحابَ المعالي،”لا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أخرى”.. (فاطر، الآية 18). المقصود بهذه الآية أنّ ما مِن أحد يُحاسَب بذنبٍ اقترفه غيره ولا أحد يحمل أخطاءه. ومعنى الوزر في اللغة هو الحمل الثقيل، وكلمة الوزير مشتقة من الجذر نفسه، والوزير هو الذي يتحمّل أعباء مهمّاته الملقاة على عاتقه، والتي قبل أن يحمل ثقلها وقبل المسؤولية التي كُلِّفها – والتي هي تكليف لا تشريف – ويُعين الناس في تدبير أمورهم وتسيير شؤونهم والسهر على مصالحهم وعلى المصلحة العامّة لا على المصالح الشخصية الضيقة… ومن جذر الوزر أيضًا لفظ “المؤازر” أي المساند والداعم والمعين.
أصحاب المعالي، ما من مكان في الدنيا تُفرَض غرامة على غير المخالف ويُحاسَب الإنسان الصالح، والذي تقترف يداه الذنب ويخالف يُكَافَأ، بل وأكثر من هذا يسن القوانين ويتخذ القرارات ويتحكم في أمور البلاد والعباد.
أصحاب المعالي، أنتم تفرضون غرامات وضرائب على الناس بغير وجه حقٍّ على مخالفات ارتكبتموها أنتم، فمَن سيأخذ حقّ الناس منكم؟ ومتى ستدفعون الغرامات المتوجّبة عليكم، لقاء ما اقترفت أياديكم من جرائم وتجاوزات في حقّ الشعب؟!

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى