الأردن.. ماذا تبقى من إتفاق «وادي عربة»؟!
“المدارنت”
الصمت الرسمي رافق حتى الآن لأسباب لا تزال غامضة، أربع خطوات إسرائيلية عدائية جدا أو في قمة العداء للأردن، في الوقت الذي تصمد فيه اتفاقية وادي عربة، ولأسباب ليست غامضة طبعا في المقابل.
في الخطوة الأولى تجاهل الإعلام الرسمي الأردني تماما القرار الخطير الذي اتخذه الكنيست الإسرائيلي بتعليق القوانين الأردنية الناظمة لتسجيل العقارات في الضفة الغربية.
وفي الثانية تقويض منهجي متواصل للوصاية الأردنية على المواقع المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس.
وفي الثالثة إقرار نفقات الميزانية المالية لأغراض بناء جدار حاجز في الأغوار مع حدود الاحتلال، وللملاحظة فقط هنا كلفة إقامة هذا الجدار دبرها الصهيوني المتشدد وزير مالية الكيان سموتريتش من نفقات وزارته وليس من نفقات وزارة الدفاع.
والخطوة الرابعة برعاية وزير دفاع الكيان لتأسيس فرقة مهام خاصة اسمها جلعاد، وتنتحل اسم قرية أردنية معروفة.
تلك خطوات تقلب معادلة العلاقات الأردنية الإسرائيلية رأسا على عقب، خلافا لأنها تقلب كل معادلات السلام والتعايش والحدود التي ابتكرها الأمريكيون والغرب قبل 30 عاما.
لا علاقة للمسألة إطلاقا لا بـ 7 أكتوبر وتداعياتها ولا بما يزعم العدو الإسرائيلي أنها مخاطر إيرانية تتسلل أو يمكن أن تتسلل عبر الحدود من الجانب الأردني في الأغوار.
نفهم من خبير الاستخبارات العسكرية الذي يقرأ بكفاءة ما بين الأسطر نضال أبو زيد أن الجانب الإسرائيلي يمارس أقصى طاقات التضليل هنا، فمشروع إقامة جدار إلكتروني على طول أكثر من 97 كيلوا مترا على حدود الأغوار طرح لأول مرة عام 2015، والمعنى هنا أن العدو يخطط للأمر، ولا علاقة للمسألة لا بإيران ولا بغزة و 7 أكتوبر.
نفهم أيضا من ذات المحلل أن الجانب الأردني في تأمين الحدود بمنتهى الكفاءة والحرفية عسكريا وأمنيا، والعكس هو الصحيح حيث الجيش الإسرائيلي لا يقوم بواجبه المفترض من جهته، بدلالة أن قوات الحدود الأردنية تضبط مرة تلو الأخرى طائرات مسيرة محملة بالمخدرات وأحيانا بالأسلحة المهربة من جنوبي فلسطين المحتلة.
يعني ذلك أن إسرائيل شريك السلام في الماضي، تمارس الكذب فيما يتعلق بالحدود مع الأردن على مواطنيها، والمجتمع الدولي وعلى الشعبين الأردني والفلسطيني.
وكل تلك الخطوات العدائية هدفها واضح وواحد. وهو طبعا ضم الأغوار ثم ضم المناطق «ج» التي تتميز بكثافة الأراضي والعقارات في جبال الأغوار، وصولا إلى تصفية القضية الفلسطينية، وخلافا طبعا لكل الاتفاقيات الموقعة، ابتداء من أوسلو وانتهاء بوادي عربة الذي لا يعرف الشعب الأردني سببا جوهريا واضحا للتمسك فيها إلا رواج ثقافة الحرص على الذات والمصالح وإكمال مشوار الادعاء أمام المجتمع الدولي بأن الأردن بلد يلتزم بالاتفاقيات.
وهو كذلك في كل الأحوال مع أن قصة القانون والمجتمع الدولي سقطت تماما من حيث السمعة والتأثير والواقع لا بل لم تعد عنصرا مؤثرا أو فارقا في أي مشهد له علاقة بالعربدة الإسرائيلية.
يمكن فهم حرص الدولة الشديد على التوازنات والمصالح، خصوصا أثناء التجول بين الألغام الأمريكية والإسرائيلية.
لكن ما يعجز المراقب عن فهمه واستدراكه هو ثقافة التجهيل الإعلامي حيث لا يناقش الإعلام الرسمي هذه الاعتداءات الإسرائيلية المنهجية من حيث نشأتها وتكوينها وتأثيرها، وحيث يمكن إحالة أي معلق بموجب الجرائم الإلكترونية بتهمة التشكيك دون أن تبذل الحكومة أي جهد ملموس لشرح ما يجري.
مطلوب وبإلحاح من الأجهزة الرسمية والحكومية فهم كيف يفكر عقل الدولة إزاء هذه الانقلابات وليس الانتهاكات فقط من الجانب الإسرائيلي؟
مناقشة هذه القضايا وشرح بعض الاعتبارات يقوض التشكيك لأن الرأي العام يريد فهم ما إذا كانت حكومته مستعدة للتفاعل والتعاطي مع الاستحقاقات التي يفرضها الإيقاع الإسرائيلي.
الأهم بالنسبة لوجدان الأردنيين هو التوثق مستقبلا من جدوى وإنتاجية التمسك باتفاقية سلام يتخلى عنها وبكل اللهجات الطرف الآخر.
والأكثر أهمية بلا منازع هو أن عقل المواطن الأردني غارق في المقارنات والمقاربات ويحتاج لتأكيدات منصفة ومقنعة من حكومته توحي بأن التمسك بالاتفاقية والتطبيع مع الكيان هو ضمانة حقيقية لا بل منتجة في الواقع، وليست فقط ضمانة مؤقتة.
بصراحة ووضوح يقرأ الأردني ويسمع عتاة اليمين الإسرائيلي المجرمين وهم يشيرون إلى وجود تاريخي لأجدادهم في جبال الضفة الشرقية لنهر الأردن.
ويسمع الأردنيون يوميا تشكيلات داعش الإسرائيلية التلمودية، وهي تتحرش بالوصاية بالقدس ثم تقيم نشاطات على جبال الأغوار، وتبث وتنشر خرائط سموتريتش الشهيرة التي لا تعترف بوجود الأردن، لا بل انتخب المجرم المتشدد على أساس تلك الخرائط.
ما يحصل في الضفة الغربية وما حصل في غزة يريد الأردني ضمانات بأن لا يحصل معه.
طبعا الدولة قوية وصلبة وضارية، لكن جبروت الإسرائيلي قد يتطلب مصارحة أعمق وأوسع بين المواطن ودولته في هذا الملف المسكوت عنه…ماذا تبقى من «وادي عربة»؟