“الكريسماس” ممنوع.. أما الربيع فنبوءة شائنة!
“المدارنت”..
أيام قليلة تفصلنا على السنة الجديدة، وفي الوقت الذي يطالب فيه أنبياء الاستهلاك الجدد بضرورة سن أهداف جديدة والقيام بحصيلة تقييمية شخصية لكل فرد عاقل مع تحرير لنوايا واضحة وصريحة، تقف ضبابية المشهد العالمي الذي تخلفه محركات التاريخ، على غير استعداد للنكوص ولا كبح حركتها -ولو لفترة الأعياد-، إذ تكشف مع كل ساعة عن تحولات عالمية دراماتيكية، مثيرة وغريبة. بين الفاعل والمفعول تتدرج اهتمامات وتوجهات شعوب المغرب العربي.
عمومية أم خاصة؟
فيما يكاد يكون سابقة في تاريخ مواقع التواصل الاجتماعي التونسية، لم تتمكن أخبار المشاهير، ولا حتى كبرى التظاهرات الدولية في البلاد من زحزحة أخبار قطاع الفلاحة من صدارة اهتمامات الرواد، بل حتى مستجدات أيام قرطاج السينمائي الدولي عجزت عن ذلك، رغم أهمية المهرجان الذي عرف طبعة خاصة، بدأت بنوتة حزينة، إثر الرحيل المفاجئ لأحد أعمدة الثقافة والفنون التونسية الممثل الكبير “فتحي الهداوي”، ثم الالتفاتة التي استحسنها كثر بتكريم الثنائي التونسي اللامع “درة زروق” و”ظافر العابدين”.
من تابع فرحة التونسيين إثر الأمطار المفاجئة والكبيرة التي ميزت نهاية فصل الصيف الفارط “، يعجز عن تصديق حالة الغضب التي استولت على فئات واسعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ردا على أزمة قطاع الزيت الاستراتيجي في البلاد، والسبب الإنتاج الوفير لزيت الزيتون.
تعد تونس أحد أهم مصدري زيت الزيتون في العالم، وكثيرا ما شكل قطاع الفلاحة وإنتاج زيت الزيتون تحديدا رافدا للاقتصاد التونسي. وفرة الإنتاج هذه السنة تحولت لنقمة على صغار المنتجين الذين يواجهون أحد أسوأ كوابيسهم، إذ تجاوز سعر الإنتاج سعر البيع، ما خلف موجة سخط واسعة.
الاتهامات سريعا ما كيلت ضد الأجهزة المسيرة وعلى رأسها الديوان الوطني للزيت: “الديوان الوطني للزيت هو السبب” كرر كثر، مؤكدين على ضعف المؤسسات العمومية، وعدم قدرتها على مواكبة جديد الأسواق الدولية، “هيئة تسير بذهنية ستينات القرن الماضي” سخر البعض، “العصابة الحاكمة وأذرعها في المؤسسات العمومية” قال آخرون، “سرقوا عرق الفلاحين” كتب بعض الرواد. أما هواة المؤامرة فوجهوا اتهاماتهم لـ”أطراف خارجية” من مصدري المادة عالميا بالسعي وراء الاضرار بـ”بترول تونس”. كثير من الرواد توقف عند أخبار سجن مجموعة من مصدري المادة إلى الخارج تزامنا مع بداية موسم الجني. أكثر العقلاء طالب:
“كفى تبادلا لكرة الاتهامات، على كل جهة تحمل مسؤولياتها”، أما الأكثر “استنارة” فرددوا “وجب التنازل عن المهام للخواص”. المؤكد أن الاقتصاد التونسي لا يقدم أفضل أداء له منذ فترة، ويعيش على وقع ضربات قاصمة وفضائح متتالية كانت آخر فصولها في قطاع الفلاحة استيراد شحنة بطاطا فاسدة من دولة تركيا، على يد شركة خاصة تونسية ما أثار غضبا واسعا في الشارع التونسي، ومطالبات بضرورة اسناد الاستيراد لهيئات عمومية على هكذا صفقات ضمانا للسلامة العامة.
كريسماس ممنوع
بين ليبيا الأخبار الدولية وليبيا الاهتمامات الشعبية يُخذ برزخ بحجم الاختلافات بين حكومتي البلدين الشرقية والغربية. ورغم التقارير الدولية المتتالية التي تشير إلى تعقد الوضع الليبي، خصوصا بعد أخبار عن نقل روسيا للكثير من مقدراتها العسكرية إثر سقوط نظام دمشق، تماما كالتحركات التركية الحثيثة والحديثة فيها، إلا أن لوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية رأي آخر. انشغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في ليبيا وخارجها بقرار منع كافة مظاهر الاحتفال بأعياد نهاية السنة الميلادية، أسبوعا بعد أن تقرر ضبط كل السلع المتعلقة بعيد “الكفار” ومنع بيعها وتداولها. القرار الذي أثار موجة سخرية واسعة دوليا وإقليميا، تنوعت ردود الداخل الليبي حوله وانعكست على مواقع التواصل الاجتماعي. “هذا من إنجازات الثورة في ليبيا، بانتظار إنجازاتهم في سوريا”، “لا يهم، سنحتفل”، “صبرا، سيعودون لبيعها (مستلزمات الاحتفال) قريبا”، “إنه داعشي ينظر للعالم والدولة والحكم من باب الطائفية والفتن (وزير الداخلية)”، عكس هؤلاء استحسن كثر قرارات الداخلية الليبية: “لماذا يزعجكم من يطبق شرع الله؟” تساءل البعض، “ليبيا فخر الإسلام” أثنى آخرون، أما الأشد حكمة فسخروا من القرار معلقين ب “أعياد مجيدة رغم كل شيء”.
الربيع كنبوءة شائنة
من الملامح الأنثروبولوجية الراسخة في الثقافة المغاربية التي توحد الشعبين الجزائري والمغربي -رغما عن أنفيهما-هي الإيمان بالنبوءة، والقدرة التقليدية على خلق واعتناق الأساطير، وإذ يصعب الجزم حول هوية الأطراف التي تدفع نحو حركة شعبية تميل إلى العنف – بحسب كثير من المنشورات عبر السوشيل ميديا على الأقل- في الجزائر من معارضة إسلاموية خربت البلد منذ عقود ومازالت تحلم بعود، وبين أشقاء يعتقدون أن احتلال الشارع سيقضي على بلد جار ويحقق طموحات توسعية رسمية، تضيع كثير من الحكمة.
وسم “مانيش راضي” تحول لتريند في المغرب العربي خلال الأسبوع الفارط، كدعوة لاحتلال شوارع الجزائر في نسخة جديدة لحراك 2019، سرعان ما دعمته فيديوهات لشباب من داخل الجزائر وخارجها يدعون “الشعب” للخروج والتظاهر. الغريب أن الوسم تحول لتريند في المملكة المغربية أيضا، قبل أن يواجهه وسم جزائري مضاد تحول بدوره لتريند حمل تسمية “أنا مع بلادي” ردا على ما اعتبر محاولات خارجية للتدخل في الشأن الجزائري.
لا يزال حراك 22 فيفري 2019 يثير الكثير من التساؤل بين الجزائريين عن طريقة تنظيمه وتسييره، وما ميزه من طابع سلمي وحكمة من جميع الأطراف، بالإضافة لمآلاته. إلا أن المتابع للوسمين الآنفين لن يشقى في كنه الطبيعة المخبرية لكليهما، إذ يبدوان غريبين عما يمكن اعتباره “تقاليد” إلكترونية جزائرية، خصوصا التريند الأول، إذ ضاعفت محتوياته تعليمات دقيقة وجهت لـ”الجزائريين” محرضة على العنف والمواجهة مع عناصر الأمن، والتأكيد على “إسقاط النظام”.
الثابت أن سقوط النظام السوري من فترة قريبة قد فتح شهية “المعارضات” العربية لموجة ثانية من الربيع العربي، لا ملامح واضحة لها لحد الساعة، زادت من حدتها الظروف العامة المرحلية، وحالة الغليان غير المسبوقة التي تميز العلاقات الدولية. إلا أن ما حدث في سوريا يعني الجزائريين بصفة خاصة، هم الذين حفرت في ذاكرتهم الجمعية عميقا تهديدات وزير خارجية عربي سابق خلال إحدى القمم العربية، بإسقاط الجزائر بعد سوريا، وتردد صداها خلال حراك 2019، إذ صدحت جموع المتظاهرين مؤكدة “أن الجزائر لن تكون سوريا” في إحالة إلى الطابع السلمي لانتفاضتهم، وذلك ما يبرر ربما عدم رضا طائفة كبيرة منهم عما حدث في البلد الشقيق، الذي يحتضنون أكبر جالياته في المنطقة المغاربية، خوفا من الفوضى واللاأمن، دون تركيز على التفاصيل التي تجرع مرها السوريون لعقود طويلة.
تفاعل الجزائريين مع الوسمين جاء متراوحا بين تخوين وترحيب، تشكيك وخوف، قد يكون أكثر أجزائه إثارة ما خلفه من جدال حاد حول تدخل المغاربة فيما اعتبره رواد مواقع التواصل الاجتماعي شأنا جزائريا خالصا، إثر مشاركة كثير أبناء البلد الجار التعليقات وكذا المنشورات مطالبين بالتخلص من الرئيس الجزائري ورئيس أركانه، والكثير من المظاهر السلبية لليوميات الجزائرية (من دون فهم لجوهرها). “يبدو أن تبون يحكم شعبين”، “هل تعيشون في الجزائر أم في المغرب”، “لما لا تسقطون المخزن؟” كانت من بين “ألطف” الردود التي أمكن مطالعتها عكست امتعاض الجزائريين.