مقالات

عبد المهدي.. من مثقف ثوري الى زعيم فاسد!

محمد خليفة/ أوروبا

خاص “المدارنت”..

خلال سنوات اقامتي في فرنسا في ثمانينيات القرن الماضي، عرفت د. عادل عبد المهدي عن قرب, وتعاملت معه لسنوات في إطار مركز دراسات مستقبل العالم الاسلامي، الذي كان يتخذ من مالطا مقرا له.

كان هو معارضا لنظام بلده كما كنت معارضا لنظام بلدي. وبناء على ذلك جمعتنا صداقة غير عميقة, ولكنها كافية لأكوّن فكرة عنه, كأكاديمي وسياسي, والقول إنه مثقف وكاتب غير لامع ولا مميز. تحتل “السياسة والسلطة “مركز تفكيره وسلوكه. تلوّن في شبابه, بين حزب البعث والقومية العربية, والحركة الشيوعية, قبل أن يستقر بعد ثورة الخميني في حزب الدعوة الموالي لايران منذ ثورة الخميني, واستمر فيه حتى اليوم.

في لقاءاتنا وأحاديثنا, وبخاصة اثناء ندوات مركز الدراسات كان عبد المهدي يتباكى على الحريات في العراق ويقدم صورة مأساوية عن قمع صدام، ولكنه لم يكن يتبنى أفكارا متشددة, أو يطرح مواقف مستفزة, ولو ضد نظام صدام حسين. والسبب في تقديري أن غالبية المشاركين معنا هم من القوميين والإسلاميين العرب المعتدلين, فكان حريصا على علاقاته بهم وبالمركز, في تلك الفترة التي تزامنت مع أزمة الكويت 1990 – 1992 إذ أظهر تعاطفا وطنيا مع بلده ونظامه, بشأن هجومه على الكويت وحربه ضد التحالف الاميركي لتحرير الكويت. وكنت واثقا أن ما يظهره ليس موقفه الحقيقي, لذلك لم يدهشني تأييده ودعمه للغزو الأميركي للعراق عام 2003, حاله كحال غالبية المعارضة المنتشرة في الغرب, وعلى رأسها الأحزاب الموالية لايران, رغم مناهضتها المزعومة للغزو الاميركي, وهو سلوك ازدواجي يترجم “التقية والباطنية” اللتين يتقنهما أمثاله .

الارتباط بإيران

في 18 من نوفمبر الماضي نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” وموقع “أنترسيبت” أرشيفاً كاملاً من وثائق المخابرات الايرانية, يكشف فساد وإرتهان السياسيين والمسؤولين العراقيين لنظام الملالي في إيران, وتضمن الأرشيف معلومات مهمة عن رئيس الحكومة عادل عبد المهدي الذي شغل منصب رئاسة الحكومة, وبينت الوثائق أن عبد المهدي ارتبط منذ الثمانينيات بالاستخبارات الايرانية, حيث جاء في إحدى الوثائق (عمل عادل عبد المهدي مع المخابرات الإيرانية عندما كان في المنفى أثناء حكم صدام حسين، وكان على “علاقة خاصة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية ”عندما كان وزيرا للنفط عام 2014). ولا تقدم البرقية تفاصيل عن طبيعة العلاقة، وحسب مسؤول سابق في المخابرات الأميركية تعني ”العلاقة الخاصة” الكثير من الأشياء. والمعروف إنه لم يصل أي عراقي لمنصب رئاسة الوزراء بدون مباركة إيران، وعندما تم انتخاب عبد المهدي للمنصب عام 2018 نظر إليه كشخص مقبول من إيران وأميركا!

حين عاد عبد المهدي للعراق إثر الغزو المزدوج الاميركي – الايراني, برز ضمن كوادر حزب الدعوة, أهلته لتقلد مناصب وزارية, أهمها المال والبترول, وهما من أهم المناصب في أي حكومة, وتتيحان فرصا ثمينة للنهب. كما عين نائبا لرئيس الجمهورية. ولا معنى لهذه المناصب سوى أنه مرضي عنه من إيران والولايات المتحدة . وذكرت بعض الصحف الفرنسية مؤخرا أنه قد أمّن بعض العقود المهمة لشركة توتال البترولية الفرنسية العملاقة, وهو أمر يشي بعلاقة خاصة من نفس النوع مع الاستخبارات الفرنسية, ما دام فرنسي الجنسية, وعاش أعواما غير قليلة في فرنسا, ولا يستبعد أن يكون قد ارتبط باستخباراتها .

وفي الثاني من اكتوبر 2018 رست مساومات القوى النافذة بعد الانتخابات العامة الى تكليف عبد المهدي برئاسة الحكومة، التي أطلقت عليها الأوساط السياسية (حكومة الفرصة الأخيرة)، وهي عبارة تنطوي على اعتراف ضمني بفشل نظام المحاصصة الطائفية، الذي استحدثه عملاء إيران وحيتان الفساد بعد احتلال 2003 .

يومها كتبت مقالا في مجلة (الشراع) اللبنانية عن “صديقي” عبد المهدي, وراهنت على خبراته وتجاربه في تحقيق بعض الإصلاحات, وقلت (لا يجب الحكم عليه مسبقا لمجرد ارتباطه بايران وأميركا, من الإنصاف منحه فرصة ليعمل ويثبت جدارته قبل الحكم عليه) .

أكبر إنجازات عبد المهدي

دفع الشعب الى الثورة!

إلا أن رئيس الحكومة هذا اثبت فشله بجدارة شهد له بها العالم منذ اليوم الأول, فبعد أربعة أسابيع من تكليفه, ولكي لا يتجاوز مدة التكليف المحددة بثلاثين يوما, فيضطر للاعتذار، قدم تشكيلة وزارية أولية للبرلمان لم يزد عدد وزرائها على نصف الكابينة, واستمهل البقية الى وقت لاحق, وجرى تقديمهم واحدا بعد واحد للبرلمان لنيل الثقة عليهم، وذكرت مصادر إعلامية أن تأخير اختيار الوزراء يرجع للمساومات المالية والسياسية بين لصوص العراق وقادة ميليشياته. واعترف رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بأن المناصب والحقائب الرفيعة تباع وتشترى في أسواق بغداد التي تديرها الأحزاب والميلشيات والكتل التي تستمد قوتها ونفوذها من موالاة الولي الفقيه في طهران ومندوبه السامي الجنرال قاسم سليماني الحاكم الفعلي للدولة والبلد , فيرفع من يشاء, ويخفض من يشاء, ويعز من يشاء, ويذل من يشاء.

أما الكفاءة والاستقامة والوطنية والخبرة فمزايا لا قيمة لها, ولا تدخل في معايير إختيار الوزراء. ولذلك لم يصل للسلطة سوى اللصوص والفاسدين والخونة الذين دخلوا العراق على ظهر دبابات أميركية, وتسلقوا السلطة على سلالم الجنرال سليماني.

لم تكمل حكومة عبد المهدي عاما واحدا, فهي بدأت أعمالها في الثاني من اكتوبر 2018 , وانتفض الشعب عليها في الأول من اكتوبر 2019, ولم تحقق شيئا مفيدا يحسب لها غير أنها قربت يوم الثورة ومهدت لها بسوء إدارتها وإنجازاتها التخريبية والافسادية على جميع الأصعدة. فالعراق اليوم يحتل المرتبة 170 في سوء الادارة والفساد بين 175 دولة. هذا الواقع تحصيل حاصل لتفاقم الأزمة, والأمثلة كثيرة, رئيس الحكومة ذاته كان يحصل على مرتب شهري مقداره مليون دولار عندما كان وزيرا قبل أعوام, فكم أصبح وهو رئيس للحكومة بأسعار اليوم ؟! اي أن مرتبه أعلى من مرتب رئيس وزراء كندا أو رئيس الولايات المتحدة!

وسيسجل باسم عبد المهدي فتح حدود العراق للشاحنات القادمة بالآلاف من ايران يوميا دون تفتيش أو رقابة أو رسوم جمركية . وسيسجل باسمه أنه عزل من الخدمة مسؤولين أكفاء لأسباب طائفية, أو لمقاومتهم النفوذ الايراني, ووضع بدلا منهم عملاء لايران, ومن الطائفة الشيعية. وأبرز الأمثلة إقصاء الفريق عبد الوهاب الساعدي قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب المعروف بدوره البارز في تحرير المدن من تنظيم الدولة الإسلامية, وأثار القرار غضبا في الشارع، واعتبره كثيرون مجحفا وذا دوافع طائفية, وشكل رد الفعل الغاضب عليه أحد إرهاصات الثورة الكبرى في الاول من اكتوبر.

مسؤولية عبد المهدي 

صحيح أن عبد المهدي وحكومته لا يتحملان مسؤولية الفساد المستشري والأزمات المتراكمة منذ 2003 , ولكن الصحيح أيضا أن عبد المهدي وحكومته لم يفعلا شيئا جديا لمكافحة الفساد والمفسدين, بل هناك أمثلة كثيرة تؤكد متابعة الحكومة الطريق ذاته . وعلى سبيل الذكر لا الحصر:

تؤكد المصادر الدولية أن حكومات العراق بين 2005 و 2014، أهدرت 250 مليار دولار على 12 ألف مشروع وهمي, لم ينفذ منها سوى 500 مشروع!

ويقول البنك الدولي أيضا أن حكومات العراق، أنفقت في عشر سنوات 2005 – 2014 ما مقداره 40 مليار دولار على حل مشكلة الكهرباء, وما تزال تقطع لمدة اثنتي عشر ساعة يوميا !

حكومة عبد المهدي لم تفعل شيئا لتغيير الاتجاه العام لسير الأحداث بل واصلت النهب والتخريب وتسليم البلاد للايرانيين, وتعطيل الاصلاحات وانشاءات البنى التحتية الضرورية.

لذلك لم يكن مجرد صدفة, أن ينفجر الشعب العراقي في عهد عبد المهدي, ولم يكن عاديا أن يرد المثقف الثوري السابق على تظاهرات الشعب باصدار أوامره للتعامل مع الشعب بالأسلحة النارية, وقنابل الغاز المحرمة دوليا وتسليط ميلشيات اجرامية للانتقام من الثوار والاعلاميين خطفا وتعذيبا وتنكيلا. ويثير الانتباه سرعة القمع بأعلى مستوى من اليوم الأول حيث وقع خلال اسبوع أكثر من مائتي قتيل, وستة آلاف جريح, الأمر الذي يوضح الطابع الوحشي للسلطة, والاستعداد لسفك الدماء وإزهاق الارواح بحماسة .

ومن الملاحظ أن ردود الأفعال الدولية المستنكرة لتصرفات السلطة واحتجاج واشنطن القوي وتهديد بعض الدول والمنظمات بمحاكمة المسؤولين السياسيين بما فيهم عبد المهدي ووزير دفاعه نجاح الشمري لملاحقتهم قضائيا في الدول الغربية التي يحملون جنسياتها, مما أجبر هؤلاء على تخفيف منسوب العنف القمعي. بيد أن ما ردع السلطة وعصاباتها عن التهور أكثر والانزلاق الى دومة العنف المفتوح, ليس استنكار الدول الغربية, وإنما هو التحدي الشعبي للسلطة وزيادة أوار الثورة في الشارع. فالجماهير ازدادت تضامنا وتلاحما , والحركة الاحتجاجية اتسعت الى المحافظات السنية في الغرب, وانخرطت تكريت والانبار والرمادي والفلوجة وصلاح الدين .. إلخ, وزحفت العشائر بزخم كبير الى ساحة المواجهة، حاملة سلاحها للدفاع عن أبنائها, وكل شهيد يسقط برصاص الميلشيات كان يصب الوقود على نار الثورة ويزيد التحدي والغضب والإصرار على إسقاط النظام بكامل هياكله وأحزابه وعناصره ورموزه . ووصلت شرارة الاحتجاجات الى الداخل الايراني عبر الوسيط العربي في الاحواز, وشملت مائة مدينة, وفهم نظام الملالي أن مصيره محكوم بالقدرة على اخماد ثورة العراق أولا ولبنان ثانيا .

في بداية الثورة ارتعدت فرائص عبد المهدي وحاول الهروب, وألمح الى استعداده للاستقالة, لكن قاسم سليماني والمرجعية تدخلا طالبين منه البقاء, ووفرا له مساندة كافية, أغرته بالاستقواء, فواصل الحكم ورد الجميل لإيران, وشرع بقمع الثورة بالنار والرصاص دفاعا عن مصالحه ودفاعا عن ايران, حتى وقعت مذبحتا النجف والناصرية, وأعلنت العشائر حمل السلاح للثأر, فاضطرت إيران للتضحية بعبد المهدي كبش فداء لبقاء النظام العميل على أمل تهدئة الشارع واحتوائه.

وحسب مصادر داخلية وخارجية موثوقة ما زالت ايران هي التي تحكم وتتحكم بكل صغيرة وكبيرة في العراق، بناء على قناعتها أن مصير نظامها يتوقف على مصير نظامها في بغداد, لأن أمنها يبدأ منه, وترياقها المالي والاقتصادي مستمد من العراق. ولكن الشارع لن يكتفي برأس عبد المهدي, لأن الجماهير لم تكن ضد الحكومة وحسب, بل طالبت اصلا بإسقاط نظام المحاصصات الطائفية, وحل البرلمان, وتغيير الدستور وقانون الانتخابات, ومحاسبة المسؤولين عن النهب والفساد وقتل المحتجين, وعزل كل رموز المرحلة السابقة من العملية السياسية القادمة , وبتر أيدي إيران, بحل ميليشياتها, ودون ذلك فلن يتوقف أوار الشارع, بل سيتسع ويشتد ويتصاعد حتما للحرب الأهلية الشاملة, كما قال مقتدى الصدر وآخرين, لأنهم يعلمون أن ايران ليست مستعدة للتخلي عن العراق وجماعاتها فيه.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى