مقالات

حقوق المسيحيّين في لبنان.. سِتار التقسيم..!

أحمد ذبيان/ لبنان
خاص “المدارنت”..
كان عدد سكان لبنان، عام 1870، أيّ منذ 151 عامًا، لا يتجاوز الأربعمئة ألف نسمة، من المسيحيّين والمسلمين على اختلاف مذاهبهم ومِلَلهم، يعيشون في بعض المدن الصغيرة وفي قرًى وبلدات ومزارع، تنتشر في جميع أنحاء البلاد، على شكل تجمُّعات مذهبيّة منعزلة عن بعضها البعض، وتتفاعل بحذر شديد، نتيجة الأوهام التي زُرِعَت داخل حاراتهم الصغيرة المُنغلِقة..
استمرّ “لبنان”، على تلك الحال طيلة الحكم العثمانيّ، ثمّ خلال الحكم الفرنسيّ، حتّى “الاستقلال”، عام 1943، حيث تمّ الاتِّفاق على صيغة حكم طائفيّة ومذهبيّة، يعطي المسيحيّين ثلثيّ السلطة والمواقع السياسيّة والاداريّة والوظيفيّة في الدولة؛ في حين انّ المسلمين، كانوا يشكّلون الاكثريّة العدديّة، بعدما أظهر إحصاء 1932، أيام الاحتلال الفرنسيّ، انّ المسيحيّين، يبلغون حوالي 51%، والمسلمين حوالي 49%.
تلك الصيغة الطائفيّة، غير المتوازنة، لم تصمد طويلًا؛ فقد اندلعت “ثورة” 1958، التي استمرّت لعدّة شهور، وانتهت برعاية من جمال عبد الناصر، الذي كان زعيمًا قادرًا على استيعاب وتطويق الأحداث الكبرى، في ذلك الوقت. عاش “اللبنانيّون”، بعد ذلك الاتّفاق الذي كانت نتيجتُهُ تنصيب اللواء فؤاد شهاب، رئيسًا للجمهوريّة اللبنانيّة، الذي شرع ببناء مؤسّسات الدولة، التي ما زالت تصارع من أجل البقاء والاستمرار.
عاش لبنان واللبنانيّون، بعد ذلك، حوالي العشر سنوات من الاستقرار الازدهار وسيادة المؤسّسات، بنسبة مقبولة، حتّى قدوم الفدائيّين الفلسطينيّين الى الجنوب، وسيطرتهم على منطقة العرقوب، وبعض المناطق الشرقيّة من البقاع، ممّا ادّى الى زيادة الحساسيّات بين المسيحّين، المعارضين للتواجد الفلسطيني المسلّح على الاراضي اللبنانيّة، والمسلمين المؤيِّدين بشدّة للثورة الفلسطينيّة، والذين يعتبرون انّ لبنان، أصلًا، ليس الّا جزءًا من وطن عربيّ واحد، لا يشكّل لهم وجود ايّ مقاوم او جنديّ عربيّ أيّ حساسيّة على الإطلاق.
ساعد في تازُّم الأوضاع، حينها، ازدياد وتيرة مطالبة المسلمين، بالمساواة بينهم وبين المسيحيّين، في إدارة البلاد، مستفيدين من علاقاتهم مع المقاومة الفلسطينيّة، بفصائلها المتنوِّعة، والمتعدِّدة الى أن بدأ الوضع الامنيّ بالتدهور على أثر حادثة “البوسطة”، في عين الرمانة، عام 1975، ممّا ادّى الى اندلاع حرب أهليّة، استمرّت حتّى العام 1991، وانتهت باتّفاق الطائف، الذي نصّ على اقتسام السلطة مناصفة بين المسلمين والمسيحيّين، في المواقع السياسيّة ومواقع الفئة الأولى.
كان وجود الجيش العربيّ السوريّ، الذي دخل لبنان، بقرارٍ وبرعاية من الجامعة العربيّة عام 1976، هو الضامن لاتّفاق الطائف، الى حين خروجه عام 2005، على أثر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق الشهيد رفيق الحريري.
تغيّبت معظم القوى الاساسيّة عند المسيحيّين عن الحكم، طيلة تلك الفترة، نظرًا لوجود العماد ميشال عون في المنفى، ووجود الدكتور سمير جعجع في السجن.
منذ العام 2005، بدأ المسيحيّون يتحدّثون عن الغُبن الذي لحق بهم، جرّاء تقليص صلاحيّات رئيس الجمهوريّة في دستور الطائف، وعن حقِّهِم في انتخاب نوابهم وتعيين وزرائهم من قبلهم، بدلًا من تأثير القوى والأحزاب الاسلاميّة في تحديد هذا التمثيل.
تصاعدت وتيرة المطالبة “باسترجاع حقوق المسيحيّين”، عندما تمّت التسوية بين الشيخ سعد الحريري، والوزير جبران باسيل، على انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة – بعد تعسُّر ذلك لأكثر من سنتين.
اعتقد الكثير من اللبنانيّين، انّ تلك التسوية ستجلب الاستقرار والنهوض للبنان، لكنّ الرياح جرت بما لم تشتهِ سُفن الجميع؛ فقد زادت الأزمات وظهرت حصيلة الفساد، وكثُرَ نهب أموال الدولة، وأموال المودعين في “البنوك”، ممّا أفقر الناس، وادّى الى ارتفاع الأسعار وانهيار العملة الوطنيّة، وفقدان السلع الاساسيّة من الاسواق بشكل غير مسبوق.
تحت غطاء استرداد حقوق المسيحيّين، الذين يشكلون اليوم، ثلث سكان البلاد، ويتمتّعون بنصف المواقع في السياسة والوظائف، استعَرَت الحروب المذهبيّة التي كان هدفها شدّ العصب لزعامات الطبقة الحاكمة – من دون استثناء.
هي لعبة مكشوفة: في ظاهرها مطالبة بحقوق المسيحيّين، وفي باطنها قمع قوى التغيير، وتثبيت النظام المذهبيّي، ومنع ايّ طرح لمشروع دولة مدنيّة معاصرة، تفتح الآفاق امام الناس، من دون تمييز ووساطة ومحسوبيّة، ومنع أيّ محاولة لاسترداد المال المنهوب، وللمحافظة على الطبقة السياسيّة التي خرّبت البلاد وأفقرت العباد..
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى