مناطق ومناسبات

ندوة في “جب جنين” حول كتاب “آيات الجهاديين…” للدكتور كمّوني

د. كمّوني خلال إلقائه كلمته

نُظمت ندوة حول كتاب “آيات الجهاديين.. قراءة أخرى” للدكتور سعد كموني، في مبنى بلدية “جب جنين” في البقاع الغربي. قدم للندوة وأدارها الأستاذ رفعت نسيب فارس. وتحدث في المناسبة كل من: الدكتور الشيخ نادر جمعة، الشاعر عمر شبلي، الدكتور عفيف عثمان.

وقال المؤلف د. كمّوني: “سأحاول قبل المباشرة بالتعامل مع بعض آيات القرآن الكريم، أن أقدّم اختصاراً سريعاً لمبررات هذا العمل، من سيرة حياةٍ مضطربة عاشها أبناء جيلي منذ نصف قرن ونيّف.

أضاف: المسألةُ هي بكلّ صراحة أننا ما إن تفتحت عيونُنا على الحياة، حتى وجدنا أنفسنا أمام ورطةٍ كبيرة، تتمثل في كتلتين صلبتين متماسكتين ومتواجهتين، تطْبقان علينا؛ قوام الأولى، جملةٌ من العقائد والشعائر والمواقف النهائية بإزاء الكون والإنسان والحياة والموت، تنضاف إلى تلك الصرامة الشديدة الإحكام من العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية. ولم نكن في حياتنا تلك مسؤولين إلا عن الامتثال للأوامر والنواهي التي يتقن إلقاءَها علينا رجالُ دينٍ يكتسبون سلطتهم المعنويّة في قرانا ومدننا من فصاحتهم، وأثوابهم المختلفة، ويسعفهم في ذلك آباء يرون التقربَ إلى الله والبعد عنه، في مقدار طاعة هؤلاء ومعاندتهم، ويرونهم معيار الأخلاق الحميدة.

وقوام الثانية، هي جملةُ أفكارٍ تُناقض الأولى تماماً، وتطلق العنان للشكوك والحريات في التفكير والسلوك، وتتسامح في الحكم على ما يُحسبُ ذنوباً لا تغتفر، وكنا نرى أنَّ الكتلةَ الأولى تحُول دون تقدّمنا علميّا وحضاريّاً، بينما الكتلة الثانية تَعدنا بالكثير من الرفاه والسعادة. وكنا نرى أن هذه الأفكار التحررية والتقدّمية، أثبتت نجاحها في بلاد الآخرين إذْ مكّنتهم من تجاوز مآزقهم الحضارية، والانطلاق قدُماً بلا توقف، ما جعلهم مبدعين على كل المستويات العلمية والأدبية والفنية والسياسية والاجتماعية… وطفا عدد المتأثرين منا بالكتلة الثانية على الكتلة الأولى فحصل أن تبنينا الأفكار المادية أو القوميّة، ومفهوم الدولة الوطنية، وأعطينا الأولوية لفهم الثقافة الغربيّة واللغات الأجنبية، وكل هذا بحجة العصرنة والانتماء إلى العالم الحديث.

أدرنا ظهورنا للكتلة الأولى، وبدأنا نتفلّتُ من ضغوط الشعائر والعقائد، والمحرمات شرعا، وأكثر من ذلك، تغيَّر مأكلنا والمشرب والمسكن واللغة. وبقي قلة من أبناء الجيل متمسكين بالمواقف النهائية من الكون والإنسان والحياة والموت. يؤمنون بأن النصر من عند الله وينبغي أن نسلك السلوك الذي يرضي الله، وهو في اعتقادهم ما كان يسلكه الرسولُ الكريم، ومَن تبعَه بحق، وصدق، وعدل، وإحسان من السلف الصالح.

بعد تلك الاندفاعةِ العنيفة مع الأفكار الوافدة، واعتناقنا لها بكل ما أوتينا من زخم، ورفضنا كل تقليد، وبعد أنْ شهدنا تداعيات الفشل الذريع للدولة الوطنية، والعجز الرهيب عن وقف مفاعيل السقوط المدوّي للأحلام، واندفاعة الأفكار والمواقف المتطرفة في رقعة واسعة من العالم، وبعد تسخيف كل تطلعاتنا، والزعم بأننا ديكتاتوريون تابعون ومدعومون من قوى الاستعمار والإمبرياليّة. وبتنا نرى أفظع الجرائم والتخريب باسم الدين والقرآن؛ صرنا أمام ورطةٍ جديدة، لا يمكن لهذه الأحزاب المهزومة والمترهّلة أن تتصدّى لها بكفاءة، كما أنّه لا يمكنني أن أوافق على هذا التطبيق الفجائعي للإسلام، على أنّه القادر على الانتقال بنا نحو التقدّم، والازدهار، والنجاح في إقناع العالم بنا طاقةً حضاريّةً تحتاجها البشريّةُ، لما تمتلك من قيمٍ وأخلاق توفّر الرفاه والسعادة لبني البشر أجمعين في إدارة العلوم والتكنولوجيا، فضلا عن السياسة والاجتماع.

نقول بصراحة، فشلت حركة النهوض العربيّة فشلاً ذريعاً، وصلت إلى حال من الانسداد الفكريّ والثقافيّ الذي يوحي بأنّ مستوى الذكاء العربيّ قد وصل إلى أدنى مستوى، وبرزت حركات تتكلم باسم الإسلام فتعزز الفساد الفكري، وتقطع العلاقة كلياً مع مفهوم المواطنة العصريّ، وتنشد إقامة سلطات مقدسة، تتنافى مع الحاجة إلى الحريّة كي تبدع الأجيالُ الجديدة نظرة أو نظراتٍ جديدة إلى الحياة والموت والمكان والزمان.

كما التزمت بعض الشخصيات والأحزاب التقدّمية طريق الدفاعِ المستميت عن الأنظمة القمعيّة الأمنية، بحجة التصدّي للإرهاب، ووقف تداعي الحياة الاجتماعية العربية. حتى بات المشهد العربيّ مشهداً محبطاً لا يملك الحليم فيه خياراً يمكن السكوت عليه.

وهكذا صرنا أمام مسؤولية تاريخية، وبخاصة بعد أن وصل الأمر إلى حدوده القصوى بالدم والنار، هل نواصل إدارة الظهر للقرآن الكريم بوصفه النص المؤسس لهذه الأمة؟ وهل يحق لنا أن ندير ظهورنا للفلسفات الغربيّة وتطلعاتها، وفهم أسئلتها؟ هل نرفض التفسيرات والتأويلات السابقة بلا سند علميّ معلل؟ هل نواصل اعتناقنا للعلمانية تأسيساً على النجاحات المحققة في عوالمها الغربيّة؟ أم نرفضها بحجة تناقضها مع بعض تأويلات السلف الصالح للآية الكريمة “لا إكراه في الدين”؟ أم ننظر إليها بوصفها عقدا اجتماعياً يخلق السلام الاجتماعيّ إذْ يحمي حق الاختلاف والمختلفين؟ هل وهل وهل…

أسئلة كثيرة تحتدم في الرأس، ويحتاج التعاملُ معها إلى أفرقاء عقلانيين مختلفين، يسعون إلى صياغة عقدٍ اجتماعي جديد، يكون وليداً شرعياً لهذه التناقضات الحادة، والصراعات الأليمة.

تأسيساً على تلك الإشكاليات بأسئلتها المعقدة، كانت التفاتتي إلى القرآن الكريم، أتناول آياته التي تعتمدها الحركات الجهاديّة العنيفة، منتهجاً الوصف والتحليل الدلالي والأسلوبيّ، بهدف الوقوف على منطوياته، بعيداً من التأويلات السائدة، والتمذهب المسبق، مستفيداً من منجزات العلوم اللسانية الحديثة، والقديمة، ومن انفتاح الأفق العلمي الحديث على كشوف لا ينبغي لها أن تنتهي، فأقول إنّ قراءتي للنصّ لا تدعي النهائية، ولا ينبغي لها؛ فقط، هذا ما أستطيعه في خدمة أمّتي والإنسانية.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى