مقالات

التفاهة والتافهون في حياتنا!

د. محمد الحسامي/ اليمن

“المدارنت”/ التفاهة.. وما ٲدرانا ما التفاهة.. إنها اللاطعم للحياة واللامعنى لها واللاجدوى منها..!
إنها تلك الظاهرة التي تحيط بنا وتمسنا جميعا أردنا أم لم نرد..!! وفي جميع المجالات الحياتية المختلفة لحياتنا عموديا وأفقيا, والأخطر من ذلك هرميا تبدأ من قمته لتشمله حتى قاعدته (صناعة التفاهة الممنهجة)..!!
إنها تلك التي أشارت إلى جزء منها رواية: “حفلة التفاهة” لميلان كونديرا، بالقول:
“انظر! نصف هؤلاء الذين تراهم على الأقل قبيحون! أن يكون المرء قبيحًا! هل هذا أيضًا جزء من حقوق الإنسان؟ وهل تعرف أنه يحمل قبحه طيلة حياته؟ دون أية راحة؟ جنسك أيضًا، أنت لم تختره. ولم تختر لون عينيك ولا القرن الذى تحيا فيه. ولا بلدك. ولا أمك. لا أي شيء مهم. الحقوق التى يمكن أن يحصل عليها إنسان لا تتعلق إلا بتفاهات وليس ثمة سبب للصراع حولها أو كتابة إعلانات شهيرة عنها.
أدركنا منذ زمن طويل أنه لم يعد بالإمكان قلب هذا العالم، ولا تغييره إلى الأفضل، ولا إيقاف جريانه البائس إلى الأمام. لم يكن ثمة سوى مقاومة وحيدة ممكنة : ألّا نأخذه على محمل الجد.
أن تشعـر بالذنب أو تُشعـَرَ به. أعتقد أن كل شيء يكمن هنا. فالحياة هى صراع الجميع ضد الجميع. هذا معروف، لكن كيف يتجلى هذا الصراع فى مجتمع متمدن إلى هذا الحد ؟ لا يمكن للناس أن يهاجموا بعضهم بعضًا عندما يلتقون. يحاولون بدلًا من ذلك أن يلقوا على الآخرين عار الشعور بالذنب. وسيفـوز من ينجح فى جعل الآخـر مذنبًا. وسيخسر من يعترف بخطئه.
إنها تشبه الخلاصة أو التجلي، التجلي الأخير الذي يختصر كل شيء في العدم واللامعنى .. عبقرية الرواية تتجلى في أنها تطرح أكثر المواضيع الإنسانية أهمية لكنها في نفس الوقت لا تجيب على أي شيء بجدية أو بواقعية، وربما أن هذا في حد ذاته هو أفضل جواب .
ومن أعالي روح الدعابة اللانهائية فقط, يمكنك أن تراقب تحتك غباوة الناس الأبدية وتضحك منها.
التفاهة يا صديقي هي جوهر الوجود، إنها معنا على الدوام وفي كل مكان، إنها حاضرة حتى في المكان الذي لايرغب أحد برؤيتها فيه؛ في الفظائع، في المعارك الدامية، في أسوأ المصائب. وهذا يتطلب شجاعة للتعرف عليها في ظروف دراماتيكية للغاية ولتسميتها باسمها، لكن المقصود ليس التعرف عليها فقط وإنما يجب أن نحبها ، أن نتعلم حبها”.
وكذلك كتاب ” نظام التفاهة” ل آلان دونو بالقول:
“أن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام.. لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم .. ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء.. بكل تفاهتهم وفسادهم…
فعند غياب القيم والمباديء الراقية.. .يطفو الفساد المبرمج ذوقآ وأخلاقآ وقيمًا.. إنه زمن الصعاليك.. الهابط.
وكلما تعمق الإنسان في الإسفاف والإبتذال والهبوط كلما ازداد جماهيرية وشهرة.
ان مواقع التواصل نجحت في ترميز التافهين، أي تحويلهم إلى رموز، حيث صار بإمكان أي جميلة بلهاء، أو وسيم فارغ أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين، عبر عدة منصات “تلفزيونية” عامة، هي أغلبها منصات هلامية وغير منتجة.
– لاتخرج لنا بأي منتج قيمي صالح لتحدي الزمان”.
إنها الخطر الحقيقي على وجودنا, فهي كـ”الكلب المسعور”، إذا عضنا متنا.. وإذا عضّيناه متنا أيضا..!
فحيثما وجدت وانتشرت كانت دليلا واضحا على فشل الأفراد والمجتمعات, عامة وخاصة, حكاما ومحكومين, سلطة ومعارضة.. الخ..
فعندما سُئل الطبيب والكاتب والقصصي الروسي/ أنطون تشيخوف: كيف تكون المجتمعات الفاشلة؟
أجاب: “في المجتمعات الفاشلة ثمة ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية، تظل الغالبية بلهاء على الدوام، ولها الغلبة دائماً على العاقل”.
فإذا رأيت الموضوعات التافهة تعلو في أحد المجتمعات على الكلام الواعي( وبخاصة في مجتمع من تسمي نفسها ب”النخبة..!)، ويتصدر التافهون المشهد، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جدًا”.
ترى أين نحن كمجتمع.. من ذلك, وبخاصة نخبنا؟!..
ترى ماذا كان سوف يقول عنا ولنا إذا عاش بيننا اليوم وهو يشاهد ويرى التافهين يتصدرون المشهد, مشهد حياتنا, ويسيطرون عليه ويتحكمون به ويوجهونه.. ويلاقون القبول والترحيب في أوجهما (منصات التواصل الاجتماعي على سبيل المثال)؟!
لا أجد أن أختتم به هنا سوى ذلك التساؤل الذي تساءله أحدهم قائلا:
إذا كنا جميعا ننقد التفاهة, فمن في حفلتها إذا?
بمعنې: من ليس منا مشارك فيها؟!
حيث أنه في مجتمع تسيطر عليه التفاهة، فكرا وثقافة وعقلية، وكذلك سلوكا وعملا وتصرفا، في جميع العلاقات والمجالات والمناحي الحياتية المختلفة، وعند عامته وخاصته، إذا أردت أن لا تكون وحيدا، وأن لا تكون معزولا وشاذا.. وتكسب الكثير من العلاقات التافهة.. فما عليك إلا أن تكون تافها! أو الرحيل عنه…
يقول فريدريك نيتشه: “‏وحدها التفاهة تُجني أرباحًا كثيرة هذه الأيام”.
وقال أبو فراس الحمداني: وقالَ أصيحابي: “الفرارُ أو الردى؟!”.
فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ.
الخلاصة:
حين أطلت النظر إلى أصابع الكثيرين ممن يسمون أنفسهم بـ”النخبة*!”، (وفي معظمها) في مجتمعاتنا.. ذلك بما تسنى لي منها شخصيا، وجدتها وفي معظمها تمسك بأقلام مأجورة تخط وتسطر بها زيفًا وتزييفًا لواقع مجتمعاتها.. وتمجيدا وتهليلا لطغاة الداخل.. وغزاة الخارج.. وترحيبا بهم، واحتقارا وذما لمجتمعاتها، بل وتشفيًا بها، وليس لها من قضية أو هدف سوى خدمة أسيادها.. تحت شعار واحد ووحيد: “من يدفع أكثر.. أصابعنا وأقلامنا في خدمته!”.
إنها الأصابع النتنة، إنها الأقلام المأجورة والمستأجرة، إنهم رموز التفاهة الممنهجة..
=========
*هناك عبارة ألمانية تقول: “أطلت النظر إلى أصابع الفلاسفة”.. وهي تدل على الارتياب في شخص ما، ووجوب مراقبته مراقبة دقيقة.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى