مقالات

“المكتوب ما مِنّو مهروب” نعم.. ولكنْ…! قراءة في الوجهة الإسلامية..

د. محمود المسلماني/ لبنان

خاص “المدارنت”..
ثمّة مقولة منتشرة على نطاق واسع في المجتمعات الإسلامية، وهي: “المكتوب ما منّو مهروب”، غير أنّ هذه المقولة التي تعشّش في أذهان كثير من المسلمين، هي مقولة يساء فهمها، وإدراك أبعادها العميقة لديهم، ممّا يشوّه الصورة الحقيقية للفكر الإسلاميّ.
فما هو مفهوم “المكتوب في الإسلام؟ وهل هو مناف لمبدإ الإجتهاد والسعي للأخذ بالأسباب؟ ثمّ ما أهمية أن يكون هذا “المكتوب” غائبًا عن علمنا نحن البشر؟!
وبالتالي، ما هي أهمية أن يصوّب فهمنا للـ”مكتوب” وفقا” للمنطق الإسلاميّ في هذا الصدد
“المكتوب”، هو المقدّر على الكائنات منذ الأزل. لقد أبدعها الله، وأحصاها وقدّر لها صفاتها وخصائصها وحركاتها وسكناتها وأفعالها ومواقيتها، وما سيحصل لها، كلّ ذلك وفق علمه ومشيئته وتقديره.
أمّا ما هي تلك الكتابة؟ وكيف كتبت؟ وما حقيقة الكتاب الذي سجّلت فيه، فهو خارج علمنا ومعرفتنا؟!
لكنّ ما ينبغي ألّا يغيب عن البال، هو أنّ العلم الإلهيّ بما سيحدث لا يلغي إرادة الإنسان وعمله وسعيه للأخذ بمبدأ الأسباب والعمل به.
لقد كتب الله للأشياء والحوادث أسبابها؛ فكما قدّر المسبَّبات قدّر الأسباب أيضًا.
لقد كتب لهذا الفلاح مثلًا محصولًا وفيرًا؛ ولكنّه كتب له أيضًا، أن يعمل وينشط في حقله، ويتعهّد نباتاته بالرعاية والإعتناء.
وكتب للمريض أن يستفحل فيه المرض إلى درجة توقّع الوفاة، ولكنّه قد يكون كتب له الشفاء والنجاة بأن يأخذ بأسبابهما، فيسعى من دون كلل الى المزيد من العناية والمعالجة؛ وبالتالي، ليس من منطق الإسلام أن نستسلم لفكرة أنّ الموت هو المكتوب، ولا ينفع في دفعه أيّ سعي.
المطلوب أن نستفرغ كل ما في وسعنا من الجهد، ثم نترقّب بعد ذلك ما كتب لنا، متوكّلين على الله “إعقل وتوكّل”.
وفي هذا المجال، تساق بعض الأمثلة.
منها أنّ الخليفة الراشديّ الثاني (أبو بكر الصديق رضي الله عنه)، قد علم أنّ جيش المسلمين في بلاد الشام، قد تعرّض لمرض الطاعون، وعندما مضى الخليفة لتفقّد ذلك الجيش، أشار عليه بعض الصحابة بالعدول عن زيارة تلك البلاد اتّقاء” من العدوى.
وقد سأله أحدهم: أتفرّ من قدر الله يا أمير المؤمنين؟!، فأجاب: “نعم، نفرّ من قدر الله الى قدر الله”.
والمعنى المراد هنا، هو أن نفرّ إلى قدر الله، بأن نأخذ بالأسباب التي تقينا من خطر العدوى التي يسبّبها المرض، ولا نلقي بأيدينا الى التهلكة.
في الخلاصة، “المكتوب” في الفكر الإسلاميّ قدر لا مفرّ منه؛ وعلينا قبل ذلك أن نفرغ كلّ الجهد في العمل بالأسباب التي تهيّئ الظروف لما هو أفضل، بخاصّة، وأنّ ذلك المكتوب لا يدخل في علمنا الخاص؛ ممّا يفتح لنا الباب لافتراض قدر نرى فيه خيرًا لنا في هذه الحياة.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى