مقالات

مأزق “رفح” في ربع الساعة الأخير!


“المدارنت”/ يطرح سؤال اجتياح “رفح”، نفسه مُلحًا وضاغطًا على حركة الحوادث المتدافعة وأحاديث الصفقات المتواترة. القوات “الإسرائيلية” (الإرهابية الصهيونية) جاهزة ومتأهبة للاقتحام، بذريعة طلب “النصر المطلق”، أو أملًا في صورة نصر واحدة، من دون أن يكون ممكنًا تجنب مجازر أشد هولًا بحق مليون ونصف المليون نازح.

لكل سيناريو تكاليفه وأثمانه وتداعياته
إذا توقفت القوات “الإسرائيلية” (الإرهابية الصهيونية) عند تخوم رفح وامتنعت عن اجتياحها بضغط، أو صفقة، فإنه اعترافٌ بالهزيمة الاستراتيجية والأخلاقية في الحرب على غزّة بعد أكثر من مائتي يوم لم تحقق خلالها أيًا من هدفيها المعلنَين، اجتثاث “حركة حماس” واستعادة الأسرى والرهائن.
وإذا أقدمت على ذلك الاجتياح فإنّ التبعات قد تزعزع أية شرعية منسوبة للدولة العبرية باعتبارها دولة مارقة ترتكب جرائم ضد الإنسانية من دون عقاب تستحقه.
حسب “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي الأمريكي، فإنّ هناك زخمًا جديدًا يزكي فرص التوصل إلى صفقة تبادل أسرى ورهائن، وتمنع اجتياح “رفح”.
المفارقة الكبرى أنّ الحديث كلّه عن منع اجتياح “رفح”، لا وقف الحرب على غزّة والتنكيل البشع بسكانها.
لم ينشأ القلق الأمريكي، الذي أعرب عنه “سوليفان”، من فراغ أو طرأ فجأة، فالشكوك عميقة في الخطط “الإسرائيلية” ومدى قدرتها على تجنّب المجازر.
الانتخابات الأمريكية الوشيكة تضغط على إدارة “جو بايدن” خشية خسارتها، والانتفاضات الطلابية التي تجتاح الجامعات الأمريكية تدخل باليقين في حساباتها.
“إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) لم تعد محصّنة وتهمة “العداء للسامية” فقدت صلاحيتها لتبرير جرائم الحرب.
ردة فعل المؤسّستين التنفيذية والتشريعية تعبير عن قوة الفعل.
استدعاء الشرطة لقمع الاحتجاجات الطلابية برسائلها بدا تعبيرًا عن اهتزاز ورعب مما قد يحدث مستقبلًا.
تقوّضت فكرة استقلال الجامعات على محك نقد “إسرائيل”، والدعوات الواسعة لوقف أية استثمارات في شركات تمدها بالسلاح والتكنولوجيا العسكرية.
لم يعد بوسع قطاع كبير في الرأي العام الأمريكي والغربي أن يتحمّل جرائم حرب إضافية ترتكبها “إسرائيل” من دون حساب وعقاب.
إذا جرت أنهار من الدماء في شوارع وأزقة رفح فإنّ الشروخ العميقة، التي تبدت في الجامعات الأمريكية، سوف تتحوّل إلى فوالق لا تحتملها المؤسسة التي دأبت على دعم “إسرائيل” وتوفير الغطاء الاستراتيجي والعسكري والسياسي والديبلوماسي لجرائم الحرب التي ترتكبها.
هذا داعٍ مستجد وجوهري يرجح عدم اجتياح رفح، لكنه لا يجزم أمام هوس اليمين الصهيوني المتطرف.
الأمريكيون لا يرفضون الاجتياح مطلقًا، لكنهم يخشون تداعياته وآثاره السلبية على مصالحهم في المنطقة.
يجري التلويح أحيانًا بفرض قيود على صفقات التسليح، ثم يحدث العكس تمامًا.
فرضت عقوبات على كتيبة “إسرائيلية”، متورطة في أعمال عنف وإرهاب بالضفة الغربية، سرعان ما جرى تعليقها.
ربما تغري حالة اللاحسم الأمريكية “بنيامين نتنياهو” على اجتياح “رفح”.
على حافة الخطر الداهم، رغم المحظورات والتحذيرات، بدأ حديث الصفقات يتناثر في المكان، كأنه سباق مع الزمن في ربع الساعة الأخير.
بأي حساب عسكري أو استراتيجي يكاد يستحيل الإقدام على ذلك الاجتياح دون تفاهم مسبق مع مصر عند حدودها المباشرة، وفي صلب أمنها القومي.
هذه مسألة ملغمة بالحسابات والمخاطر تتعلق بشرف البلد واحترامه لنفسه وتاريخه.
هذا رادع آخر لا يمكن تجاهله، أو القفز فوقه

المحاولات “الإسرائيلية” لتوريط مصر لا تتوقف بالإيحاءات، أو بأنصاف المعلومات والتسريبات.
التصريحات المصرية متضاربة، بعضها يؤكد على “رفض التهجير إلى سيناء، أو غير سيناء”، كما صرح الرئيس مؤخرًا، وبعضها الآخر يومئ إلى إمكانية قبول التهجير لـ”أسباب إنسانية مؤقتة”، كما قال وزير الخارجية.
كخطوة استباقية بادرت بتبني أفكار جديدة كحلول وسط بين “الإسرائيليين” و”حماس” تفضي إلى هدنة مؤقتة وتبادل للأسرى والرهائن وتمنع بالوقت نفسه أي اجتياح محتمل لـ”رفح”.
أبدت “حماس” انفتاحًا على المقترح المصري مصحوبًا بطلبات تدعو إلى الوقف النهائي للعدوان وانسحاب قوات الاحتلال والعودة غير المشروطة للنازحين مع المضي قدمًا في اتفاق تبادل الأسرى والرهائن.
بدا الاختيار في “إسرائيل” على النحو التالي: تجميد اجتياح رفح مقابل تحريك المفاوضات المتعثرة للإفراج عن الأسرى والرهائن.
غالبية مجلس الحرب، باستثناء رئيس الوزراء “نتنياهو”، تؤيد الوصول إلى صفقة، لكنها تبدو مشلولة أمام اليمين المتطرف، الذي يهيمن على الحكومة ملوّحًا بحلّها.
مظاهرات أهالي الأسرى والرهائن أمام وزارة الدفاع وبيت رئيس الحكومة تلح وتضغط على سرعة إنقاذ ذويهم، من دون أن يبدر عن (الإرهابيّين الصهاينة) “نتنياهو” و”إيتمار بن غفير” و”بتسلئيل سموتريتش” أدنى استعداد لتقبل أية صفقة.

الأزمة الداخلية “الإسرائيلية” حاضرة بقوة في سيناريوهات “رفح”
هكذا بدأت الصفقات المفترضة تتحوّل إلى إغواءات أمريكية معلنة مثل التلويح بورقة التطبيع ومنافعه الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية إذا ما أُنشئ تحالف أمني لمواجهة إيران – حسب ما نشره “توماس فريدمان” في الـ”نيويورك تايمز”.
إنها صفقة مغرية لوقف اجتياح رفح مقابل توسيع المنافع الاقتصادية الاستراتيجية بالتطبيع مع السعودية وإنشاء حلف عربي إسرائيلي ضد إيران.
أمام مثل تلك الصفقات، فـ”نتنياهو” مضطر للمناورة، يبدي استعدادًا أن يمنح فرصة أخيرة للتفاوض دون أن يكون جادًا أو مستعدًا لإبرام صفقة خشية تفكيك حكومته وخسارة مستقبله السياسي وحريته نفسها إذا ما أودع السجن بتهمتَي الرشى والاحتيال.
بالوقت نفسه يصعب عليه تجاهل الإدارة الأمريكية، مصالحها وحساباتها، إذ ليس بوسع إسرائيل أن تستغني عن حمايتها وسلاحها وتمويلاتها.
فيما هو يحتاجها لمنع استصدار مذكرة توقيف منتظرة من المحكمة الجنائية الدولية بحقه مع وزير دفاعه “يوآف جالانت” ورئيس الأركان “هرتسي هاليفي” بتهم ارتكاب جرائم حرب.
هذا رادع جديد يصعب تجاهله في ربع الساعة الأخير.

المصدر: عبد الله السناوي/ “عروبة 22”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى