مقالات

مقاربات فكرية بين المنطق واللامنطق.. النظام العالمي الجديد.. شركة تبيع وتشتري.. الجزء (3-10)

أديب الحاج عمر/ لبنان

“المدارنت”..
يؤكد النظام العالمي على تحقيق شعاره المعروف (لكي تبقى الأقوى فعليك إضعاف الجميع). لذلك يذهب إلى تنفيذه، أسلوبا وغاية، اخذا بمقولة: الغاية تبرر الوسيلة ، فتراه يذهب وبجدية قصوى إلى زرع الفتن داخل الأنظمة ويعمل على تفكيكها، فيستبدل بعض الأفراد با فراد أكثر طاعة واشد انصياعا وتامرا، إضافة إلى أنه يفرض عليها أنواعا من العقوبات الاقتصادية بشكل أساسي تحقيقا للشرعية الدولية، الماسك زمام امرها، فتضعف وتنهار تحت ضربات ذلك النظام وعلى كافة المستويات. متخفيا تحقيق شعارات رنانة واهية، كالديمقراطية، والانسانية، والحرية الاجتماعية، ثم يتزرع حماية الأقليات.
لقد تحول النظام العالمي، من شرطة عالمية إلى شركة، وما هدف الشركات إلا الارباح، معنويا وماديا، عن طريق تجارة البيع والشراء، فتدعم وتتلاقى وتتحالف مع من يؤمن لها المكاسب. ونلف النظر إلى أن الشركات، أن أرادت البناء الجديد، فعليها واجب هدم القديم، وأكثر الأماكن تهيئة وخصوبة، للهدم، هي أمتنا العربية الإسلامية.
هناك من يريد معرفة الحقيقة، ولربما يعلمها، ولكن لا يستطيع البوح بها، لأننا شعوب مكبوتة الحرية والانفاس، مهزومو الأنظمة والقادة والسيادة – مدنيا ودينيا، – ولو عدنا بالزمن القريب، البارحة، وتاملنا ما تحت انظارنا من وقائع ما سموه حركات الربيع العربي، والاصح التراجع العربي، لأن ذلك النظام العالمي هو الذي حرك تلك الحركات، وهو الذي صنعها ومدها بأساليب الخداع والاقنعة المزيفة، تطبيقا لالاعيبه الغوغاءية البهلوانية ، وشعوبنا تصفق زاحفة لاهثة خلف الأسوأ مما كان.
لِمَ البكاء على أطلال العمالة والخيانة والغباء، ما دام أهل السلطة والتسلط على شعوبهم، يريدون حماية ذلك النظام العالمي ويطلبه، (بالتأكيد كل أمر بثمن!) ولكن ذلك النظام إنما يمثل العدو بابعاده ومعانيه، أي أنه عدو العقيدة، عدو الحضارة، عدو ثقافة الإنسانية، عدو يعمل على تحقيق شعاره( البقاء للاقوى). انظر جيدا ترى خارطة الوطن العربي، ممزق الجسد أشلاء، اجزاؤه تنحر بعضها، مهزوم مذلول، فلا بدّ أن ترى فلسطين المسحوقة المحطمة بغداد العراق مرورا بسوريا الشام ولبنان، حزام امني شعوبي، إلى جانب آخر الخليج العربي المتهالك في البحرين واليمن، ذلك الجزء الأساسي المطالب بحماية ذلك النظام العالمي، وهو المعتبر في تمويل ذلك النظام، كما المعتبر في إسقاط قلعة المواجهة لبوابة العدو الشرقية. ناهيك عن حال المغرب العربي من قاهرة العروبة إلى تونس وليبيا، مرورا بالسودان، مخزن الغذاء العربي الأول.
هذا ما جنته الأنامل الخفية من حصاد الحماية، حماية الأنظمة المتهالكة المتامرة، كما وحصدت تهور التحالفات مع الشعوبية الصفوية الحاقدة، التي مدت اذرعها على مساحة الوطن العربي، بغطاء ديني واقنعة وهمية. والسبب في ما ذهبت إليه المؤسسات الدينية حيث جمّدت الاجتهاد واخذت الأفكار إلى مجاهل التقليد الاعمى المعلول، آخذة بثبات المواقف المتعفنة من تحريم الاجتهاد، والتفكر، والتدبر، إضافة إلى ذلك، ترى ما حصدته الشعوب من تسلط عملاء خرجي كليات المنع والانصياع، كليات ذلك النظام العالمي، ونخص بريطانيا، حيث تربعوا عرش أنظمة الامة ،تحقيقا لمنع الأفكار الحرة المتحررة، ثم الانصياع لمقولة: انتم الجهلة ونحن نفكر عنكم، نحن نقدم لكم وانتم تدفعون، ونحن نوجه ونامر وانتم تنفذون وتطيعون.
إنه دليل انعدام مفكرين وعلماء، أين النخب التي نتغنى؟ أين العلماء المؤثرين؟ أين التنافس الشريف و التفاضل في الأعمال؟ كل ذلك موجود! موجود في صميم التاريخ، ونتغنى بهم، قادة وقدوة، حكماء علماء، نتغنى بايمانهم الراسخ، وصلابة المواقف والأعمال الفاضلة، وقد سجل التاريخ ما سجل. الكل يعرف الحقيقة، وفي الوقت نفسه، لا يريد، فالمسيطر هو القلق الفكري والاضطراب العقلي والعلل النفسي، إنها حقيقة حالنا العربية التي أوصلنا إليها ذلك النظام والمتحالف مع الشعوبية، من أي جهة اتت، إذ جلّ اهتمامهم، كعدو، الانقضاض على مقدراتنا واغتصابها، إلى أن طال ذلك الكرامة والنواميس الاخلاقية، وازدادوا اجراما وعنفا دون أن يرف لهم جفن.
لا شك أن العلاقة جدلية بين الوجود واللاوجود، أي أن وجود ذلك النظام العالمي سيؤدي ضرورة إلى لا وجود شعوب عربية حرة مستقلة، رافضين أي فكر متحرر، ومتشددين في ابقاء الامة غافلة وغافية في سباتها العميق، مؤكدين على منع يقظة إيمانية أو صحوة علمية، جاعلين الحواجز بين منطق التلاحم بين الديني والقومي الذي جاءت به النصوص القرآنية، دينا ودولة، فردا ومجتمعا، أمة عالمية، أمة سائدة بأبعادها الإنسانية، وبرعاية الهية للعالمين.
من اليقين أن هناك القليل من العلماء والمفكرين ممن يدركون الاخطار المحدقة بوحدة الامة وقوتها، ومع كل ما تقدم، يزداد عمق الأزمة على كل المستويات. أما الحل فمرتبط بسلامة العقل العربي وسداد منهجه وتفكيره، حيث تتلاقى انواره المعرفية وانصهارها منابع الفصحى التي تقوده، بلا شك، إلى ساحات الدين الحق، ويتعمق به العلم النافع، وتترسخ فيه فضائل الأخلاق، تطبيقا عمليا لما نصت عليه النصوص القرآنية. مما يؤدي حتما، إلى توافق وانصهار المفاهيم، واندماج المبادئ الانسانية، ثم يتم اتحاد الهوية القومية بالعقيدة الدينية، والتي تقودنا إلى ثقافة راشدة مدركة، تترسخ بحقائق تعبيرية واضحة المعالم والابعاد، على مستوى المنهج والتفكير، على أسس من الدليل والبرهان.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى