مقالات

مقاربات فكرية بين المنطق واللامنطق.. قواعد اللعبة السياسية العالمية/ الجزء (2-10)

أديب الحاج عمر/ لبنان

خاص “المدارنت”/
بمنتهى العقلانية وحكمة العقلاء، مع ضرورة تحكيم العقل والذهاب إلى التخلص من غفوتنا وسباتنا العميق، فيما نحن فيه من تناحر واقتتال، لأن واقع حال الامة مكشوف للصغير والكبير، وما علينا الوقوف بعين المدقق المتفحص لما يجري في العالم، وإلى أين يتجه، حصيلة قرون مضت، حيث نسجت من مخططات العداء والاستمرار عليها، ما ظهر منها وما بطن، منذ بعثة النبي محمد (ص)، وانتشار عقيدة التوحيد على أيدي العرب.
لقد برز العداء منذ القدم، وظهر مع الغرب الفرنجة، ثم انتقل إلى أميركا، الأرض الجديدة، وبقناعها الانكليزي، وأيضا، بنظام عالمي جديد، غايته السيطرة الكاملة عالميا، فيسود بعد تحقيق سياسة إضعاف وإخضاع الآخر، فأمسك الاقتصاد العالمي، وطبع الدولار، وجعله عملة عالمية، ثم أسهم بأفكاره العنصرية الصهيونية إلى تفجير ثورة فكرية عالمية داخل الغرب الاوروبي، فكانت الثورة الفرنسية التي غيّرت معالم حياة شعوب من خلال مفاهيم وأفكار جديدة، دينية ومدنية، فانهت قراراتها الأديان وطبقة الاكليروس المتحكمة برأي الشعوب،  ومن جهة ثانية، ظهر مفهوم القومية وعلا الفكر فيه وتعددت النظريات، مما ساعد على فتح أبواب متنوعة من الصراع والنزاع، بين ما هو ديني إلهي، وبين تلك النظريات القومية العلمانية، التي ولدت على أنقاض انهيار الممارسات الدينية السائدة في أوروبا.
وهكذا توجه النظام العالمي الجديد ينسج أساليب وفنون المناهج العدائية، محاولا تطبيقها وممارستها مع شعوب العالم، والاخص منها العرب، لأنهم مميزون ومتمايزون، طباعا وفكرا وعقيدة وثروة، وذلك عن أسلوب خفي وضيعي، باثًا روح التسلط والتجبر والكبر، معززا الانانية الفردية، ومتوجًا نفسه عرش سلطة عالمية متفردة، تحكمها المركزية في الأموال والاعلام، ثم ذهب إلى زرع أولائك الخدم متسلطين داخل انظمتهم وفوق رؤوس العباد، جاعلا منها مرجعيات موصوفة بالنزعة العصبية الحاقدة. وعليه، فقد حوّل العالم إلى عالم لا مكان فيه، لا للعقائد ولا للنظريات القومية ولا للقيم الإنسانية.
أميركا، هي العيّنة الأساسية لهذا النظام العالمي الجديد، الذي قام على اصل انعدام كل ما يُسمى بالقيم والفضائل، فكل ما يخدم ويحقق مصالحه فهو حق مباح. وجلّ ما يحمله من شعار ومبادىء، وغاية ما يطلبه يتمثل في أن يكسب المصارع الذي راهن عليه من دون الاهتمام بنتيجة من مات أو هلك.
وهكذا ارتقت شخصيات الامة التي خرجتها كليات ذلك النظام العالمي، وطبعها بتلك الصفات والمواصفات كي يامنها عندما تمسك بالسلطة في دول أمتنا، ويؤمن تحقيق أهدافه من تسلط وإفقار، جاعلين من العالم البشري وانظمته، حلقة مترابطة متشابكة يتحكمون بسياستها الداخلية والخارجية على كافة الصعد، ويمارسون الفصل بين السلطة كنظام يرعى مصالحها، وبين الكيانات البشرية كوقود للنزاع والصراع والحروب، تأكيدا لمصالحهم الخاصة، إضافة إلى تحويل الامة أو المجتمع إلى الفردية والانانية الشخصية كي تفرض رأيها وقراراتها على الجماعة.
كما عملوا، من جهة ثانية، بصبر وثبات، على رفع لواء العلمانية في وجه الأديان، مسيحية كانت أو اسلامية، كما دفعت بالأديان كي تقابلها وتنفر منها، إرضاء لغايتها في الإبقاء على النزاع والصراع فيما بين هذه وتلك.
وهكذا يستمر النظام العالمي، يمنع الوجود الديني، وفي الوقت نفسه، يصنع ويولٍد الاحزاب والحركات والجماعات الدينية المتطرفة والعنصرية والناشطة في تشويه وتخريب العقائد الدينية، فكوّن فِرقا استخدمها أدوات قتل وتدمير، ماديا ومعنويا، فتزعزع أهل العقيدة وضعفوا، وانتشرت حالة من القلق والاضطراب الفكري والنفسي لدى العامة والخاصة، فضاعت الحقيقة بين غياهب الجهلة والاغبياء. أما فيما يتعلق بالدين اليهودي، فقد حضنه ذلك النظام، ثم روّضه على هواه، وأرضاه كما يجب، كي تكون حركة عنصرية متعالية وخالية من كل ما هو انساني، فنجحت بمسمى الصهيونية العالمية، لتعتلي عرش ذلك النظام العالمي متحكمة بزمـام أمـره.
هكذا نما النظام العالمي الجديد، غير آسف لما يجري وما ينتج من تهشيم للانسانية، غير أبِه من كونه تعرّى من كل المشاعر والأحاسيس الانسانية، جلّ همّه أن ينظر إلى ما حققه من مكاسب وانتصارات، كما خطط وهدف، وبهذه الهيمنة الصارخة حلّ الظلم والباطل وانعدم الحق والعدل.
إن منظار ذلك النظام الذي ينظر به إلى عالمنا العربي، إنما ينحصر في ما تتمناه انظمتنا “الروبوتاتية” المتحركة، حول محور منهج نظامها المبرمج لإرادة ذلك النظام العالمي، فتراه يقمع كل قوة تملك حق الخروج عما هو واقع مظلم وظالم، ويقتل كل فكرة إنسانية حرة، ويعمل مساعدا أسياده على افقار شعوبنا ونهب ومصادرة ثرواتنا الطبيعية، ناهيك عن خرق للشرعية الدولية وقوانينها الدستورية، من أجل حفظ مصالحها ومواجهة من لا يخضع وينصاع لاهدافها. وللبيان، الكل يعلم، ساسة وغير ساسة، دول وأنظمة، شعوب وأمم، مثقفون وغير مثقفين، حتى العملاء الأغبياء يتجاهلون الحق وينفذون ما يؤمرون.
يبرر “النظام العالمي” فعلته الخسيسة، بأن كل ما يفعله بالأمة العربية الإسلامية، إنما هو أقل بكثير مما يفعله العرب بأنفسهم، لأنهم، وبنظره، خونة أغبياء، فلا يستحقون منطق العيش الكريم، ولا الثقة بافكارهم وأعمالهم، إنما يستحقون الموت وليس الحياة. ومثل هذا القرار في الحكم، إنما هو دليل منطق العداء والكره والعدوانية، سواء أتى من الغرب الفرنجة أو الشرق الفارسي، والسبب لهذه العدائية، إنما تبين ما للعرب من قوة ما يحملونه من قيم وقوانين، تحفظهم وتحفظ الاخرين، في الحقوق والواجبات، اضافة لالتزامهم بعقيدة تدفعهم وتحثهم للسيادة العالمية حيث تحقق ما يجب تحققه بها، عدل الهي وإنسانية انسان..
والاستنتاج يذهب الى ان الصراع القائم عالميا، وعلى كافة المستويات العلمية والعملية، إنما هو صراع عقدي بكل وأبعاده ومعانيه.
من العينات الواقعية نجد اميركا، “كرمزية للنظام العالمي”، تدفع واهبة مليارات الدولارات لدولة الصهاينة، “عدوة الإنسانية”، ومغتصبة أرض فلسطين العربية، وبالمنظار المدقق نجد أن من يدفع تلك المليارات هم العرب أنفسهم (كانظمة)، لأنهم هم مصدر عطاءات ذلك النظام.
وعليه، فالمنطق يتلاقى مع اللامنطق لدى العرب، فهم (كانظمة) جهلة أغبياء، خونة عملاء، تراهم يتقاتلون فيما بينهم، طائفيا ومذهبيا، احزابا وحركات، على الصعيدين القومي والديني، مع العلم، أن كتابهم العقدي واحد وبلغتهم الواحدة، فالوحدة قائمة بالكتاب وباللغة، وهذه اللغة هي أصل الوحدة والتلاحم ما بين العقيدة كدين، واللغة كهوية، فلٍم النزاع والصراع؟! أليس السبب دليل جهل وغباء؟! كيف يصح الصراع بين الأنا والأنا؟ أين العقل لدى العقلاء، وأين الفكر لدى الحكماء؟! فاليقظة من الغفلة يسيرة المنال، حاجتها لحظة تفكر وتعقل وتدبر..
الحق، والحق يقال، لن يسمح لعقلاء وحكماء الامة فرصة التأمل والتعقّل والتدبّر، حيث الذهاب إلى وعي عام، أساسه اتحاد عقدي ديني، والتحام هوية قومية، تحمل رأيتها أغلبية متحدة بين عقيدة وهوية، منتشرة على اتساع الامة. حيث تولد القوة من حيث اتت، وبما جاءت.
أمام هذه الصورة المنطقية، يذهب العالم بنظامه العالمي واعوانه الاغبياء، إلى تحقيق الضرورة في التوافق والتحالف على صناعة مسالك العداء للعرب المسلمين، والآخذين بوجوب الصراع الدائم معهم حتى الموت، وإذا طلبوا البقاء والوجود، فما عليهم إلّا واجب دفع الثروات، عن طريق الخضوع والانصياع.
========================

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى