مقالات

ظاهرة التعصّب السّلبي!

د. محمد الحسامي/ اليمن

خاص “المدارنت”..
بإختصار شديد وموجز، وكرؤوس أقلام وعناوين: إن المجتمعات الجاهلة والمتخلفة والغير متجانسة، التي تتحكم فيها الأنظمة الاستبدادية الاستعبادية الطغيانية التسلطية والشمولية، تعاني من عدة ظواهر سلبية تتحكم في علاقة أفرادها وجماعاتها وفئاتها وأحزابها (مكوناتها المختلفة)… إلخ.. مع بعضهم البعض.
من أخطر تلك الظواهر وأشدها فتكاً بالأفراد، خصوصا, هي ظاهرة التعصب السلبي المقيت, سواء كان تعصبا عرقيا أو سلاليا أو أسريا أو جهويا أو صبغيا أو جندريا أو دينيا عقائديا أو حزبيا.. والأخطر من ذلك، أن يتخذ ذلك التعصب لنفسه طابع القدسية والقداسة والتقديسية، وطابع إحتكار الحقيقية، ويضفي ذلك عليه, سواء دينية كانت (وهي الأخطر) أو غير دينية, بحيث تمثل تلك البيئة التعصبية السلبية المقيتة مرتعا خصبا ومنبعا ومصدرا مهما لنشوء تلك الأنظمة.. التي جاهدت بكل الوسائل المتاحة لها، على تغذيتها في أوساط أفراد المجتمع…. ومن ثم الإستفادة منها في خلخلة المجتمع وشل فاعليته، ومن ثم السيطرة عليه، وضمان عدم فاعليته تجاهها مهما صدر منها تجاهه..
عندئذ تأمن البقاء طويلا طويلا. هذه الظاهرة، تتنامى وتكبر في ظل تلك الأنظمة، لسببين رئيسَين:
السبب الأول: وجود تلك الأفكار والثقافات التعصبية أصلا تجاه العلاقة مع الآخر في تلك المجتمعات الجاهلة والمتخلفة غير المتجانسة..
بمعنى, تجذر الوعي النمطي السلبي في تلك المجتمعات, أفرادا ومكونات مختلفة, ممثلا ومتمثلا بتلك الصورة النمطية السلبية تجاه بعضها البعض، وفي علاقاتها مع بعضها البعض بكل سماتها وصفاتها وخصائصها, وبكل صورها وأنواعها, وبكل مظاهرها ونتائجها الكارثية والوخيمة على سلامة وأمن واستقرار المجتمع, أفرادا ومكونات مختلفة…
ذلك الوعي النمطي السلبي عبر تلك الصورة النمطية السلبية، يصبح ويصير هو المتحكم بتلك المجتمعات والمسيطر عليها والمسير لها..
السبب الثاني: تغذية ذلك الوعي النمطي السلبي من قبل تلك الأنظمة، عبر رفده وتشجيع تلك الأفكار والثقافات التعصبية، والعمل على نشرها والتذكير بها في كل وقت وحين, وبمناسبة أو  من دون مناسبة, بل إنها تعمل على إحياء تلك الأفكار والثقافات التعصبية وإظهارها للعلن متى رأت أنها لم تعد موجودة, وتعمل جاهدة من ثم على تحويل ذلك الوعي النمطي السلبي إلى ممارسة مجتمعية يومية، عبر إيجاد وتشجيع الصراعات في أوساط المجتمع بين الأفراد مع بعضهم البعض، وبين المكونات المختلفة مع بعضها البعض, مستخدمة في ذلك قاعدة “فرق تسد”، للإستفادة منها والمحافظة على بقائها واستمراريتها لأطول فترة زمنية ممكنة… إلخ.
عندئذ، تصبح العلاقة بين أفراد المجتمع وطوائفه وفئاته وأحزابه، علاقة قائمة على أساس العداء والتعصب للذات، كل يرى بأن الآخر يمثل خطرا حقيقيا على وجوده، ومن ثم وجب عليه إزالته والقضاء عليه…
طبعا كل ذلك ما كان له أن يكون ويوجد ويستمر، لولا غياب شبه تام للمشروع الوطني الحقيقي, مشروعا نظريا ورموزا ومناصرين وحاملين ومتبنين له، وعاملين ومناضلين من أجله ومضحين في سبيله…
(.. اتفق علماء النفس الإجتماعي، على أن التعصب في حدوده القصوى يخلق صعوبات اجتماعية ونفسية كبيرة، تعوّق النمو النفسي للفرد، وقد تدفعه للاضطراب “حيث أن صاحب الشخصية التعصبية هو نفسه صاحب الشخصية المضطربة,”، وأن أسباب التعصب تكمن في اضطراب الشخصية… وأن هناك علاقة وطيدة بين ظاهرة التعصب وظاهرة التسلط…).
إن الحل الوحيد لمعالجة ظاهرة التعصب السلبي, في تلك المجتمعات الجاهلة والمتخلفة، يتمثل بوجود مشروع وطني حقيقي لكل أفراد ومكونات المجتمع المختلفة, مكتمل الأسس والقواعد والركائز الأساسية له, نظريا وواقعيا ورموزا, يعمل على إجتثاث واستئصال ونزع ذلك الوعي النمطي السلبي من وعي عامة أفراد المجتمع، وما تسمى نخبة! وذلك عبر دراسة الأسباب والعوامل له ومعرفة منابعه ومصادرة وتحديدها تحديدًا صحيحًا وجريئًا, دراسة علمية منهجية تحليلية، وفقا لأخر ما توصل إليه علم الإجتماع الفردي والجماعي للمجتمعات في هذا الشأن عموما، وعلم النفس الإجتماعي خصوصا منه, ومن ثم وضع التصورات العلمية المنهجية الصحيحة لمعالجة تلك الأسباب والعوامل، كل على حدة أو مجتمعة..إلخ.
تلك المعالجة التي تفضي أخيرا إلى إقامة كيان وطني حقيقي، ممثلا ومتمثلا ب”الدولة المدنية الحديثة بركائزها الأساسية.. “والقضاء على الآثار السلبية الناجمة عن ذلك الوعي النمطي السلبي وذلك التعصب, جسدية ومعنوية, عبر مرحلة إنتقالية يكون مبدأ “العدالة الإنتقالية” من أهم سماتها وصفاتها وخصائصها…إلخ.
يقول الدكتور أحمد زايد, في كتابه: “سيكولوجية العلاقات بين الجماعات”, الصادر في نيسان/ ابريل 2006، ضمن سلسلة “عالم المعرفة”, رقم 326:
“إن العلاقة بين التعصب والأفكار النمطية علاقة قوية, وكلا الجانبين يغذي الآخر على نحو ما، فالتعصب يبرر الأفكار النمطية, وهي بدورها تؤدي إلى مزيد من التعصب”.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى