مقالات

تمخّض الفأر فولد جبلّا!


“المدارنت”/
نعم أزعم أن العنوان صحيح، وليس خطأ مطبعي، وهو يصف القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي بخصوص غزة.
إن مجلس الأمن الدولي، الذي حاول منشؤوا النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، تصويره كأسد جسور يشكل قوة رادعة خارقة، تحافظ على الأمن في كل أنحاء المعمورة، لكن صورته الحقيقية أنه فأر صغير، يقف مذعورا حيال أي صراع أو نزاع يلتهب في اي مكان في العالم، يبدأ بالجري بسرعة في كل اتجاه في سبيل الوصول لمخرج آمن، ويصطدم هنا ويتعثر هناك ويجري في اتجاه اخر حتى الوصول إلى ركن آمن، يبعده عن الانظار تماما كالفأر المحاصر.
إن هذا المجلس الموقر، هو أكبر خدعة في تاريخ البشرية. إنه منذ ولادته القيصرية حتى اليوم لم يقدم أي شيء رغم الاف المليارات التي انفقت عليه، ولم يحلّ دون نشوب أي صراع ولم يوقف أي حرب او جريمة مهما بلغت بشاعتها وضحاياها..
وكل ما ولده جبل من القرارات المكدسة فوق بلاط الأمم المتحدة.. وكلها قرارات مائعة  لا لون لها ولا طعم ولا قوام، كالماء، تتشكل حسب الوعاء المتاح من توازنات القوى على الأرض من دون أي قوة قانونية تنبع من القرار بحد ذاته.
فحق “الفيتو” الممنوح للقوى العظمى، سيجعل أي قرار يدور في دوامة تجره للاسفل في جولات التفاوض والجدل العقيم، بين رؤى ومصالح الدول الخمس التي لا يمكن أن ينجو أي صراع على سطح البسيطة، من مصالح اساسية لأحد المعترضين من الحرب، في جزيرة كوريا مرورا بحرب فيتنام إلى أزمة الجزيرة الكوبية إلى فوكلاند.. إلى الحاضر الدائم في أروقته، وهو الصراع العربي/ الصهيوني عبر تاريخه الطويل المستمر.
وعلى هامش هذا التاريخ الأسود، هناك جبل ضخم من مشاريع القرارات التي اجهضها “فيتو” أحد الأطراف، لتأخذ طريقها إلى مزبلة التاريخ.
أما القرارات التي استطاع العبور ونيل شرف حمل رقم من ارقام سجل المجلس، فإنها جميعا قرارات غير قابلة للتطبيق، من القرار 242 الى 338 إلى آخر السجل.. وصولا إلى قرار مجلس الأامن المتعلق جريمة غزة، الذي سنبحثه كمثال كاشف لطبيعة قرارات مجلس الشؤوم الدولي.
فالقرار لم يُدِن “اسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) وجرائمها لتفادي “فيتو” حلفائها، وبالمقابل لم يُدِن الطرف العربي كما كان يطالب حلفاء العدو، لأن ذلك سيقابله “فيتو” من اطراف اخرى.. والقرار يحمل تناقضا واضحا يجعله غير قابل للتطبيق..
ففي جزأه الاول، يطلب إيقاف فوري لإطلاق النار، ويشترط في جزأه الثاني، إطلاق جميع “الرهائن” من دون قيد أو شرط..
فالمحصلة النهائية أن “إسرائيل” لن توقف اطلاق النار بموجب هذا القرار، لأن الشرط الثاني لم يتحقق من دون ان يستطيع أحد ادانتها..
وحماس لا يمكنها اطلاق الأسرى بعد كل هذا الدمار والظلم.. من دون اتفاق يضمن وقف دائم لإطلاق النار، وانهاء الحصار الظالم و إعادة اعمار القطاع..
وبذلك ستكون المحصلة أن لا شيء سيحدث على الأرض، خارج اطار اتفاق يعبر عن توازن القوى على الارض، وتوازن المصالح الدولية والاقليمية، بما تتيحه الظروف وتطورات الأوضاع عند كل هذه الأطراف المتناقضة..
وقد حصل جميع الأطراف على براءة ذمة شكلية أو ادبية، تحت غطاء هذا القرار الممسوخ الذي يخفي تحت ستاره آلاف الجرائم وآلاف المأسي، ودمارا يفوق الوصف.
إن قطاع غزة، هو بقعة صغيرة جدا من العالم، وما يجري فيها هو فقط رأس جبل كبير كان مختفي تحت السطح، جبل أكبر من غزة وفلسطين والوطن العربي ايضا، إنه بحجم العالم الحديث ونظامه العالمي الذي تم تركيبه بشكل غير عادل وغير منطقي، ولو غطي بستار قانوني. لكنه بالتأكيد غير انساني وغير مقبول في عصر ما بعد بعد الحداثة.
فهذا النظام الذي قبل الوقوف والمشاهدة، بصمت او بعجز على مجازر على مدى مائتيّ يوم عبر كل وسائل التواصل، لم يعد مقبولا او محتملا من الضمير والعقل البشري، ومن قبلها ايضا اختزن مشاهد واخبار مجازر روندا وكوسوفو وسوريا ومجاعات الصومال والسودان وافريقيا..
إن القضية اصبحت قضية نظام دولي، عاجز وفاشل وظالم، ولا بد من تغييره بشكل يمنع فغليا وليس شكليا، وقوع مثل هذه المجازر والمجاعات.. بل يمنع أسبابها قبل معالجة نتائجها..
فحبة وقاية خير من جبل علاج.
المصدر: بسّام شلبي/  “موقع غلوبال جستس”

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى