رأي المدار

نهـــرٌ آســـن ومـيـــاهٌ راكـــــدة!

عبد الناصر طه/ فنزويلا

خاص “المدارنت”..
لم يُلقِ أهل الحكم سلاحهم بعد، رغم انجلاء المعركة وخسارة أهم أركان الدولة والوطن، وفوز قوائم الفساد على ما عداها؛ وإن دلّ ذلك على شيء، فإنّما يدلّ أن جماعة السلطة مرتبطون بالخارج، ويأتمرون بأوامر دول لها مصالح محلية وإقليمية، وهم بالتالي، ليسوا لصوصًا سارقين ناهبين فحسب، وإنما دورهم يتعدّى ذلك بكثير؛ وبما أن القرار الخارجي هو إنهاء دور البلد حضاريا، فهم قد حطّموا مؤسسات الدولة، الواحدة تلو الأخرى، فلا جامعات ولا مستشفيات ولا مصارف ولا موانيء ولا مطارات محترمة، وهكذا دواليك.
من يتابع ير الكوارث، من أوضاع الطرقات العامة، ومجاري الأنهار، إلى قحط الأراضي الزراعية وتلوث المواسم، وما نرى ونسمع عن إدارة الجمارك ومصلحة تسجيل السيارات وأمانات السجل العقاري وهيئة مكافحة الفساد وهيئة الإشراف على القطارات، على الرغم من عدم وجود أيّ قطار، إلى المناطق الحرّة والأملاك البحرية، وغيرها، ولن يتكون آخرها مجلس الإشراف على النفط الذي ما يزال في جوف الأرض، هذا إن وُجد أو توفر بكميات تجارية.
اللصوص والسماسرة، يتنعمون بما لذّ وطاب في رحلات خارج لبنان، بعضهم على الشواطئ الذهبية، والبعض الآخر على الجبال الثلجية، ويشحنون طاقاتهم بشعارات جديدة مناسبة للمرحلة القادمة وفي طليعتها حقوق الطوائف!
هؤلاء مختلفون على حصص النهب والسلب، ومتّفقون على تدمير الوطن. بدأ مخططهم منذ زمن، حين سيطرت أدواتهم على الاتحاد العام لطلاب لبنان، ثم الاتحاد العالمي العام، وجميع اتحادات النقابات المستقلة، من أطباء ومهندسين ومحامين وصيادلة ومعلمين، إلى أصحاب المستشفيات وأصحاب محطات الوقود وأصحاب الأفران، إلى نقابة سائقي الفانات وسائقي السيارات العمومية؛ وبالتالي، تبعية المجتمع النابض بالحرية وعالم النقابات الى مافيا السياسة، وجعلها أداة طيّعة في أيادي زعماء أحزابها المختلفين شكلًا، المتفقين مضمونًا على تقاسم أشلاء الوطن الممزّق، والذي جعلوا دوره صدى لنفوذ دول وقوى إقليمية ودولية، تستخدم شعوبه الطائفية كالبيادق على رقعة الشطرنج السياسية، وتضحّي بهم خدمة لمآربها وتصفية لحساباتها.
وما المحاصصة، سوى بدعة في السياسة، استخدمتها القوى الكبرى لتفتيت المجتمعات المتخلفة من الداخل، وتقسيم الدول إلى كانتونات أطلقت عليها اسم “مكوّنات”، طائفية ومذهبية تارة، وعصبية قومية عشائرية قبلية تارة أخرى؛ وتقلّد قيادة تلك المكوّنات أشخاص مطيعون لأسيادهم في الخارج، الذين أجزلوا لهم العطايا والهبات، شخصية وعائلية في غالبها؛ حتى صاروا ممثلين للطوائف وناطقين باسمها، من دون أن ينال الطائفة أيّ حقّ واجب، أو امتياز جديد؛ وإنما العكس هو الذي يحصل، فالمسيحيون والمسلمون سواء، ينتظر معظم شبابهم وشاباتهم على أبواب السفارات، يحملون في يُمناهم شهادات جامعية، وفي يُسراهم جواز سفر، طمعًا بالهجرة والهروب من الجحيم الذي وقع فيه معظم الناس. بما جنت أيادي أهل السياسة، وقيادات الأحزاب المختلفة شكلًا، المتقفة مضمونًا، على تقاسم النفوذ والحصص، وبالتالي، الاتفاق على التجارة، والتلاعب بمصير المواطنين الأبرياء من جهة، والمغفلين من جهة أخرى.
‎أما “الثوار”، فهم مجموعة من كادحي الوطن، وأبناء فقراء وطبقات متوسطة، عملوا ما عرفوا وما استطاعوا، في وقت كان أهل السلطة: وما يزالون – على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم يدفعون الأموال الطائلة مما نهبوه، لمرتزقة الصحافة الصفراء ومرتزقة التواصل الاجتماعي، لتشويه صورة الشباب المنتفض كي تجهض التجربة، وتمنع باقي الشباب ان يفكروا بالحراك مجددا؛ من هنا نستطيع التأكيد أن زعماء أحزاب السلطة، هم أخطر من الصهاينة ومن عدوّ الخارج.
‎ويبقى السؤال الكبير مطروحأ أمام الرأي العام: هل تستطيع بعض جداول وسواقي الماء العذب الرقراق أن تنظف نهراً ملأته الأوساخ والأدران؟! والإجابة المنطقية في هذا المجال، هي أن كمية الأوساخ التي تُرمى في مجرى النهر يوميًا تجعل من نظافة مياهه أمرأ مستحيلًا. وهكذا هي الطغمة الحاكمة، رَمت وما زالت ترمي أوساخها ونفاياتها في نهر الوطن، وفي مؤسسات الدولة، حتى جعلتها موبوءة يستحيل علاجها، كالبؤر السرطانية التي استفحلت في جسم المريض، فجعلته في حالة الميؤوس منه.
اما مَن يعوّل على الشعب المسكين، فهو واهم، لأن الواقع أثبت ان الوطنية كذبة، وأن الوطن الواحد عبارة عن مجموعة شعوب تعيش على التكاذب، وكل منها صار له مدارسه وجامعاته ومستشفياته واحزابه وتنظيماته العسكرية الميليشياوية؛ تجتمع هذه الشعوب في الحفلات الغنائية، وفي أماكن اللهو والمطاعم، وتحمل في داخلها تربية طائفية مقيته، تظهرها عبد أول مفرق، عند سماع أو كلمة او إشاعة، تشير إلى الطائفة والمذهب او الزعيم، وما تظهره هو عكس ما تضمره تمامًا. كما قال الشاعر معروف الرصافي: “لا يخدعنّك هتافُ القوم للوطنِ فالقومُ في السرّ غيرُ القومِ في العلنِ”.
فلا رهان على ما يسمى “الشعب”، لأنه خادم أمين، وتابع، وفيّ، يُلبّي أوامر سلطة المافيا المجرمة، التي جعلت منه قطعانًا، تسير وفق أهواء الرعاة وكلابهم، والعزاء كل العزاء – لقلّة قليلة، ما تزال تؤمن بالتغيير و”الثورة”.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى