مقالات

أزمة الائتلاف بين قاعدته الشعبية والوصاية التركية..  

محمد خلفة/ السويد

خاص “المدارنت”..

تشهد الساحة السورية ثورة سياسية جديدة منذ العشرين من نوفمبر، عنوانها البارز رفض (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة) واتجاهاته السياسية الأخيرة.

 بدأت الثورة كرد فعل على قرار أصدره الائتلاف يحمل الرقم 24 يعلن تشكيل ( مفوضية عليا للانتخابات) رأت فيه قوى الثورة والمعارضة خطوة باتجاه المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي سيجريها رئيس النظام بشار الأسد ، للتجديد لنفسه ولاية جديدة، بدعم قوي من حليفتيه ايران وروسيا .

كان اصدار القرار (24) بمثابة كبسة زر على صاعق تفجير الساحة الوطنية ، واعلان انتفاضة عارمة ضد الائتلاف وقيادته الحالية ممثلة بالسيد نصر الحريري . أكثر من سبعين جماعة من الفصائل والجماعات العسكرية والسياسية والمدنية والشخصيات البارزة تداعت بمبادرة من ( اتحاد تنسيقيات الثورة في العالم ) للعمل معا على إسقاط شرعية الائتلاف، كممثل للثورة والمعارضة الوطنية ، وبدأت فورا ورشة عمل ضخمة، لا تهدأ، تمتد من المناطق المحررة في الداخل السوري ، الى كل المواقع التي يتواجد فيها سوريون مهجرون ومغتربون، من تركيا الى الولايات المتحدة ، مرورا بأوروبا والدول العربية.

 في الرابع والعشرين من الشهر الجاري أصدرت مكونات هذا الحراك الجديد بيانا ، حدد موقفها السياسي من سياسة الائتلاف، جاء فيه: [ لعل قرار الإئتلاف بالمشاركة في تمرير تأهيل الأسد ونظامه عبر مسرحية الإنتخابات كان الصفعة الوحيدة ذات المنعكس الإيجابي، حيث تلقاها شعبنا بما يقتضيه الرد بكسر اليد التي وجهتها له]

أضاف البيان [بناءً عليه ، فإننا في الإجتماع الأول لقطاع واسع من القوى الثورية والثوار المستقلين نؤكد على:

أولا: نعلن بوضوح أن الائتلاف بجميع تفرعاته والمؤسسات المنبثقة عنه، لا يمثل السوريين، وغير مخول بالتحدث والتفاوض عنهم ، أمام أية جهة دولية، أو رسمية، وهو فاقد للشرعية والمشروعية معاً].

وبناء على هذا البيان اتسع نطاق الحراك كما ونوعا ومستوى ، إذ انضمت وما زالت تنضم كل يوم قوى جديدة وشخصيات اضافية ، بحيث لم يجتمع مثلها منذ يونيو عام 2012 عندما انعقد ( المؤتمر السوري العام ) في كنف جامعة الدول العربية في القاهرة. يتقدمهم: ميشيل كيلو وهيثم المالح ومحمد صبرا وحازم نهار واحمد رحال واسعد الزعبي، وسهير الأتاسي، وجورج صبرة وفداء حوراني واحمد خطاب وخالد شهاب الدين .. إلخ . ومن المتوقع أن ينعقد مؤتمر وطني ثوري جديد ، يمثل اجماعا نادرا على رفض المؤسسات التي ظهرت في بداية الثورة بتدخل أجنبي، دولي واقليمي ، بحجة دعم الثورة ، ودعم الشعب السوري من مجموعة دول أطلقت على نفسها (أصدقاء الشعب السوري) ، ولكنها لم تقدم دعما فعالا ، عسكريا أو سياسيا ، ثم ما لبثت أن تراجعت ، ونفضت أيديها من الأزمة ، لأسباب كثيرة ، بعضها موضوعي ، وبعضها غير موضوعي . أهمها على الاطلاق هو التدخل الروسي العسكري الذي سحق بآلته الجبارة قوى الثورة وحاضنتها الاجتماعية، وتمكن من استعادة العديد من المحافظات والمدن المحررة التي خرجت عن قبضة النظام في الأعوام الأولى .

لم تكتف روسيا بالمسار العسكري لمعالجة الأزمة بالقوة والبطش ، بل إنها أسست بموازاته مسارين تفاوضيين في آستانا وسوتشي ، بديلا عن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة ، لتطبيق أجندتها ، وهي أجندة لصالح الأسد وايران وصالح مصالحها هي أولا .

 وللأسف فإن السياسة التركية تجاه القضية السورية شهدت انقلابا ونكوصا حادا بعد قمة بوتين – اردوغان في العاشر من اغسطس 2016 ، إذ أصبح اردوغان حليفا وثيقا لبوتين وروحاني على المسارين المذكورين ، وتنكر لتعهداته السابقة للشعب السوري وقواه الثورية ، وأصبح يستغل نفوذ بلاده على قوى المعارضة والفصائل السورية ، بحكم حاجتها الماسة للأرض التركية كقاعدة ارتكازية وخلفية لنشاطها ، ولحمايتها ، ليكرهها على تغيير اتجاهاتها ، ويجبرها على قبول ما كانت ترفضه بشكل مبدئي ثابت .

 بسبب ذلك شاركت الفصائل العسكرية في مؤتمرات آستانا، وشاركت الفصائل السياسية في مؤتمر سوتشي ، وأخذت هذه وتلك تتنازل وتتراجع تحت الضغط المزدوج الروسي والتركي ، فدخلت في متاهات وسيناريوهات تفاوضية ، بلا جدول عمل ولا آجال زمنية ، ولا ضمانات . وتعتبر مباحثات اللجنة الدستورية مثالا لهذه المباحثات أو المفاوضات العقيمة التي لا يمكن أن تفضي الى أي نهاية مرضية ، ولا يمكن أن تنتهي جلساتها وجولاتها الموسمية قبل عشرات السنين على الأقل !

ولكي يكتمل النقل بالزعرور كما يقول المثل السوري ، قطعت الدول الثلاث أيدي وأصابع كل الدول الأخرى التي لا تقبل بالسيناريو الروسي – التركي – الايراني، عربية وأوروبية ، وأصبحت سورية بأرضها واهلها وليمة محتكرة وخاصة للذئاب المذكورة، التي يسميها برهان غليون دول الانتداب الثلاثي ، لا تسمح لأي طرف آخر بالتدخل، باستثناء الولايات المتحدة التي فرضت وجودها في الشمال والشرق السوريين ، لتضمن حضورها في التسوية النهائية ، وهي على الرغم من ذلك جاملت روسيا في جنوب سورية وباركت سيطرتها على حوران ودرعا منذ 2017 بسبب قربها من اسرائيل والاردن. وجاملت مرة أخرى تركيا سامحة لها إقامة المنطقة الآمنة ، كما جاملت القوى الكردية في الشمال، ومنحتها مناطق محمية بقواتها . وسبق أن جاملت ايران في عهد اوباما مقابل مشاركتها في الاتفاق النووي عام 2015 . ولا شيء يضمن أن لا تعود الادارة الاميركية القادمة لهذا السلوك المتقلب والمتلون والانتهازي !

بهذه الأساليب والألاعيب ضاعت تضحيات الشعب السوري الغالية ، وضاعت حقوقه ، وأصبحت سورية كدولة وبلد ووطن مقسمة تقسيما واقعيا وفعليا بين العديد من الدول ، ولم يعد لفصائل الثورة والمعارضة دور أو حضور ، بعد أن خسرت المناطق المحررة ، وحوصرت وحرمت من السلاح والدعم ، وجرت تصفية ( الجيش الحر ) بخطة مبرمجة ، وحلت محله فصائل ذات اتجاهات اسلاموية – تركمانية ، أنشأتها تركيا وسلحتها ، واستعملتها للقتال في مغامراتها الخارجية ، من ليبيا الى القوقاز خدمة لاستراتيجياتها التوسعية ، حيث لا ناقة للسوريين ولا جمل ، ولا مصلحة سوى سوء العاقبة والشرشحة على المستوى العالمي ، حيث أصبح المقاتلون السوريون يعرفون باسم المرتزقة ، بعد أن كانو ثوارا ينشدون الحرية والكرامة !

وتشير القرائن المتوفرة كما تدل التطورات والوقائع التي مر بها الائتلاف في العامين الفائتين الى أن قيادة الائتلاف التي تتلقى اوامرها من السلطات التركية أصبحت أداة طيعة في يدها ، ولم تعد تقوى على الرفض والاعتراض على أي أمر تتلقاه منها ، لا سيما أن تركيا هي التي تمول الائتلاف وتدفع له شهريا 350 الف يورو لتغطية نفقاتها ومرتبات هيئتها السياسية والعاملين فيها .

 مصادر مطلعة وعليمة داخل الائتلاف أكدت أنه ماض في خطة روسية – تركية للمشاركة في انتخابات الرئاسة السورية المقرر أن تجري بعد شهور قليلة لإعادة التجديد للأسد ، وفرض مسلسل التنازلات حسب الأجندة الروسية للحل السياسي بعيدا عن بيان جنيف 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 لعام 2015 اللذين رسما خطة حل مختلفة جذريا ، تضمن اخراج الأسد من السلطة ، ونقل صلاحياته لهيئة حكم انتقالية ، ووضع دستور جديد يتبنى التعددية ، وتنتهي – المرحلة الانتقالية – بانتخابات عامة حرة ، تحت اشراف الأمم المتحدة ، تنقل سورية الى نظام ديمقراطي جديد ، وحل أجهزة الاستخبارات ، وخروج القوات الاجنبية .

الخطة الروسية تصر على تطبيق السيناريو الذي يضمن بقاء الاسد وبقاء قواتها وبقاء القوات الايرانية على الأرض الى أجل غير مسمى . ولتحقيق هذه الاهداف تحتاج دول الانتداب الثلاثي للمعارضة السورية المعترف بها  ممثلة بالائتلاف ، لتشارك في مسرحية الانتخابات الرئاسية بأي صورة من الصور لإيهام العالم أنها انتخابات جادة وتحظى بمباركة ومشاركة المعارضة الرسمية .

وحسب الدكتور غليون رئيس المجلس الوطني ، أول مؤسسة للمعارضة ، فإن القرار الذي أصدره الائتلاف الاسبوع الماضي بإنشاء مفوضية الانتخابات هو حلقة في السيناريو الروسي ، وأن السلطة التركية مررته الى رئاسة الائتلاف ، وهو ما يعكس حالة السقوط وفقدان الاستقلالية والارادة التي بلغها الائتلاف ، وأنه يمهد للانخراط في مسيرة التطبيع مع نظام الأسد مقابل فتات من المكاسب يعود ريعها لجيوب بعض المتكسبين المحسوبين على المعارضة ، وعلى رأسهم نصر الحريري وزميله رئيس هيئة التفاوض أنس العبدة ، وبعض قادة جماعة الاخوان المسلمين الحليف الرئيسي لتركيا .

لم يكن قادة الائتلاف ، ولا قادة تركيا وروسيا يتوقعون أن يجد القرار ثورة عارمة وقوية وواسعة وسريعة كالتي حدثت ولم يستعدوا لها مسبقا ، ولذلك فقد أربكتهم وأصابتهم بالذعر . إذا اضطر الائتلاف لالغاء قراره بسرعة ، بعد أن اهتزت شرعيته ، وأصبح في قفص اتهام جماعي ، وبات قادته ينافسون بشار الاسد في اجتذاب كراهية الشعب السوري .

الانتفاضة مستمرة ، ومئات الشخصيات ، والفصائل السياسية والمقاتلة ، تتجه لعقد مؤتمر وطني وثوري عام ، يسحب بساط الشرعية من تحت اقدام الائتلاف وهيئة التفاوض والحكومة المؤقتة واللجنة الدستورية التي تفاوض الاسد بشروطه وشروط بوتين ، لا بشروطها ، ولا بشروط الأمم المتحدة . ومن المتوقع أن يسفر المؤتمر عن تكوين منظمة بديلة للائتلاف ، تخاطب العالم باسم الثورة السورية ، وتعلن رفضها للحلول التي ينتجها الانتداب الثلاثي ، وتتمسك بالحل الذي صاغته الارادة الدولية عبر مفاوضات جادة ، ومتوازنة ، وحقيقية ، تلبي مطالب شعبها وتحترم ارادته .

والأهم مما سبق هو أن الانتفاضة جددت وأكدت حيوية الشعب السوري وحركيته وقدرته على الرفض والمقاومة ، حتى الآن ، برغم كل الظروف المأسوية التي يعيشها، وأظهرت قدرته على اثبات وتثبيت حضوره في المعادلة السياسية بطرق وأساليب سلمية وسياسية ومدنية متحضرة ، توصل صوته الى العالم كله، وقادرة على افشال مخططات دول الانتداب ومؤامراتها العلنية والسرية .

 ولا شك أن الوصاية التركية تلقت ضربة قاصمة ، هزت هيبتها وصدقيتها ، لأن الائتلاف أضحى في الواقع منذ ثلاث سنوات على الأقل تحت هيمنتها المطلقة .  وكل ثورة عليه هي تمرد على الهيمنة التركية ، ولذلك ظهرت ردود افعال تركية خافتة وخجولة ، وحاولت السلطات التواري ولاذت بصمت مطبق مكتفية بتحريك الموالين لها للمشاركة في المؤتمر الحراك بهدف تخريبه وتفخيخه ، وكذلك فعل الائتلافيون الذين جندوا اعوانهم للانخراط في الحراك للتاثير عليه من الداخل ، ومحاولة تخفيف آثار الهزيمة ، بالتضحية ببعض الرؤوس الكبيرة ، والدعوة للحفاظ على المؤسسة ، وهو ما ترفضه الغالبية الساحقة ، لعلمها يقينا أن زمرة  الائتلاف كلها اصبحت رزمة واحدة متراصة وتقتسم المغانم والمكاسب ، وفشلت كافة محاولات اصلاحه من داخله ، وآخرها محاولة رياض سيف قبل عامين . وهناك قناعة راسخة عند جميع الناشطين السوريين أن العلاج الوحيد لسرطان الفساد والتبعية التي استشرت في مفاصل وهياكل الائتلاف هو التخلص منه بحله وايجاد بديل عنه خارج قبضة تركيا وروسيا.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى